الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب إسلام أبي بكر الصديق

           ░30▒ (بَابُ إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ☺): سقط لفظ: <باب> لأبي ذرٍّ، و((الصِّدِّيق)): بكسر الصَّاد والدَّال المهملتين المشدَّدتين، لُقِّب به لكثرة الصِّدق، وقيل: لم يكذب قطُّ، قال أبو الحسن الأشعريُّ: لم يزل أبو بكرٍ بعين الرِّضى من الله تعالى، واختُلِف في مرادِه بذلك فالصَّحيح على ما قال القسطلانيُّ: أنَّه أراد لم يزل مؤمناً قبل البعثة وبعدها، وقيل: وهو الصحيح عندي أراد لم يزل بحالةٍ غير مغضوب عليه فيها لِعلْمِ الله تعالى بأنَّه سيُؤمن ويصير مِن الأبرار، وينبغي اعتمادُ هذا القيل.
          لكن قال التَّقيُّ السبكيُّ: لو كان هذا مراد الأشعريِّ لاستوى الصِّدِّيق وسائرُ الصَّحابة في ذلك، وهذه العبارة من الأشعريِّ لم تُحفَظ عنه في حقِّ غير أبي بكرٍ مِن الصَّحابة، قال: فالصَّواب الَّذي سمعناه من أشياخنا ومَن يُقتدى به: أنَّ الصِّدِّيق لم يثبت عنه حالة كفرٍ بالله قبلُ كما ثبت عن غيره، ونقل ابن ظفرٍ في ((أنباء نجباء الأبناء)) أنَّ القاضي أبا الحسن أحمد بن محمَّد الزبيديَّ روى بإسناده في كتابه المسمَّى بـ((معالي الفرش إلى عوالي العرش)): أنَّ أبا هريرة قال: اجتمعَ المهاجرون والأنصارُ عند رسول الله صلعم فقال أبو بكرٍ: وعيشك يا رسول الله، إنِّي لم أسجد لصنمٍ قطُّ، فغضب عُمر بن الخطَّاب قال: تقول: وعيشُك يا رسول الله، إنِّي لم أسجد لصنمٍ قطُّ، وقد كنتَ في الجاهليَّة كذا وكذا سنةً؟ فقال أبو بكرٍ: قد أقبل أبو قحافة في الجاهليَّة أخذ بيدي وانطلق إلى مخدعٍ فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتُك الشم العُلى فاسجد لها، وخلَّاني ومضى، فدنوتُ من الصَّنم وقلتُ: إنِّي جائعٌ فأطعمني، فلم يجبْني، فقلت: إنِّي عار فاكسُني، فلم / يجبني، فأخذت صخرةً فقلت: إنِّي ملقٍ عليك هذه الصَّخرة فإن كنت إلهاً فامنعْ نفسَك، فلميجبْني، فألقيتُ عليه الصَّخرة فخرَّ لوجهِه، فأقبل أبي فقال: ما هذا يا بنيَّ؟ فقلت: هو الَّذي ترى، فانطلق بي إلى أمِّي فأخبرها، فقالت: دعْه فهو الَّذي ناجاني الله تعالى به، فقلت: يا أمَّه، ما الَّذي ناجاك به؟ قالت: ليلة أصابني المخاضُ لم يكن عندي أحدٌ، فسمعت هاتفاً يقول: يا أمةَ الله على التَّحقيق أبشري بالولد العتيق، اسمه في السَّماء الصِّدِّيق، لمحمَّدٍ صاحبٌ ورفيقٌ، قال أبو هريرة: فلمَّا انقضى كلام أبي بكرٍ نزل جبريل على رسول الله صلعم وقال: صدق أبو بكرٍ، وصدَّقه ثلاث مرَّاتٍ.