الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مقدم النبي وأصحابه المدينة

          ░46▒ (بَابُ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلعم وَأَصْحَابِهِ الْمَدِينَةَ): ((مَقْدَم)) بفتحِ الميمِ والدَّال المهملة بينهما قافٌ ساكنةٌ، مصدر ميميٌّ مضافٌ إلى فاعلهِ، وعدَّاه إلى ((المدينة)) المفعول بنفسِهِ، ورأيتُ في بعضِ الأصُولِ تعديتَهُ بـ<إلى>.
          واعلم أنَّه تقدَّمَ في باب الهجرةِ أنَّه نزلَ بقباءٍ على بني عَمرو بن عَوفٍ، يوم الاثنين، أوَّل ربيعٍ الأوَّل على الصَّحيحِ، وكانَ وصُولُ أكثرَ أصحابهِ قبله، ونزلَ رسولُ الله صلعم ومَن معَه على كلثومِ بنِ الهدمِ كما مرَّ.
          وفي ((الفتح)) عن معتَمرِ بن سليمَان عن أبيهِ قال: قَدِمَ رسولُ الله وأبو بكرٍ وعليهمَا ثيابٌ بيضٌ شاميَّةٌ، فمرَّ على عبدِ الله بنِ أُبيٍّ، فوقفَ عليه ليدعُوه إلى النُّزولِ عندَه، فنظرَ إليه فقال: انظرْ أصحابَك الَّذين دعوكَ، فانزلْ عليهم، فنزلَ على سعدِ بن خَيثمَةَ، والأوَّلُ أرجحُ، ويقوِّيه كما في ((الفتح)) ما أخرجَه أبو سعدٍ في ((شرف المصطفى)) من طريقِ مُجمِّع بن زيدٍ: لمَّا نزل رسولُ اللهِ على كلثومِ بنِ الهدمِ هو وأبو بكرٍ وعامر بن فُهيرةَ قال كلثومُ: يا نجيحُ لمولىً له، فقال النَّبيُّ: أنجحت، وكان كلثومُ يومئذٍ مشركاً.
          قال في ((الفتح)): ويجمعُ بينَ الخبرين بأنَّه نزلَ على كلثومٍ، وكان يجلسُ معَ أصحابهِ عندَ سعد بن خيثمةَ؛ لأنَّه كان أعزب، وبأنَّ منزل كلثومٍ كان يختصُّ بالمبيتِ، وسائرُ إقامتهِ عندَ سعدٍ لكونهِ كانَ أسلمَ، انتهى فتأمَّله.