الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب المعراج

          ░42▒ (بَابُ الْمِعْرَاجِ): كذا للأكثرِ، وللنَّسفيِّ: <قصَّة المعراجِ> بدل: ((باب المعراجِ)).
          قال في ((الفتح)): وهو بكسرِ الميمِ، وحُكِي ضمُّها، مِن عرَجَ _بفتحِ الراء_ يعرُجُ _بضمِّها_: إذا صعدَ، واعترضَه العينيُّ فقال: هذا غيرُ صوابٍ، وهو من عرَجَ يعرِجُ مِن باب ضرَبَ يضرِبُ عُروجاً: إذا صعدَ، قال ابنُ الأثيرِ: المِعراجُ _بالكسر_ شبه السُّلَّم، مِفْعَال مِن العُروجِ: الصُّعود، وكأنَّه آلةٌ له، انتهى.
          وأقول: إن أرادَ الاعتراضَ عليه في حكايتهِ ضمَّ الميمِ فهو مثبِتٌ فيقدَّمُ على النَّافي، وإنْ أرادَ من حيث ضمُّ الرَّاء في المضَارعِ فكذلك، معَ أنَّه مُوافقٌ للقرآنِ العزيزِ.
          وكلامُ ابنِ الأثيرِ لا يُنافي جوازَ الضَّمِّ في الميمِ، ولا يقتَضِي جوازَ الكسرِ في الرَّاءِ فضْلاً عن تعيُّنه، فتأمَّلْه منصِفاً.
          وقال في ((القاموس)): عرَجَ عُروجاً ومَعْرَجاً: ارتقَى، وأصابَه شيءٌ في رِجلِه فخمَعَ وليسَ خلقةً، فإذا كانَ خلقةً فعَرِجَ كفَرِحَ، أو يثلَّثُ في غيرِ خلقةٍ.
          وقال في ((الصِّحاح)): عرجَ في الدَّرجة والسُّلم يعرُجُ عُروجاً: ارتقى، والمِعراج: السُّلَّم، ومنه: ليلةُ المعرَاجِ، والجمعُ: معَارِجُ ومعَاريِجُ، قال الأخفشُ: إن شئتَ جعلْتَ الواحد مِعرَاجاً ومَعْرَجاً.
          تنبيهٌ: اختُلِف في وقتِ المعراجِ فقيلَ: كانَ قبلَ المبعثِ، وهو شاذٌّ إلَّا إن حُمِلَ على أنَّه في المنامِ / كمَا مرَّ، وذهَبَ الأكثرونَ إلى أنَّه كانَ بعدَ المبعَثِ في ربيعٍ الأوَّل، ثمَّ اختَلفُوا فقيلَ: كانَ قبلَ الهجرَةِ بسنةٍ، وبهِ قال ابنُ سعدٍ وجماعةٌ، وجزمَ به النَّوويُّ، وبالغَ ابنُ حزمٍ فنقلَ الإجماَعَ عليهِ، لكنَّه مردُودٌ؛ لوقوعِ الاختِلافِ فيه كثيراً يزيدُ على عشَرةِ أقوالٍ، منها ما حكاهُ ابنُ الجوزيِّ: أنَّه كانَ قبلهَا بثمَانيَةِ أشهرٍ، وقيل: ستَّة أشهرٍ، وقيل: بأحدَ عشَرَ شهراً، بناءً على أنَّه كانَ في ربيعٍ الآخرَ قبلَ الهجرَةِ بسنَةٍ، ورجَّحَه ابنُ المنيِّر في ((شرح السِّيرة)) لابنِ عبدِ البَرِّ، وقيل: قبلَ الهجرةِ بسنةٍ وشهرين، وقيل: قبلها بسنةٍ وثلاثة أشهرٍ، وقيل: بسنةٍ وخمسةِ أشهرٍ، وعليه فقيلَ: كانَ في شوَّال أو في رمضَان على إلغاءِ الكسرينِ.
          وجزمَ النَّوويُّ في ((الرَّوضة)) بأنَّه كانَ في رجَبَ، وحكَى ابنُ الأثيرِ أنَّه كانَ قبلَ الهجرَةِ بثلاثِ سنين، وحكَى عياضٌ وتبعَهُ القُرطبيُّ والنَّوويُّ عن الزُّهريِّ أنَّه كانَ قبلَ الهجرَةِ بخمسِ سنينَ، ورجَّحَه عياضٌ ومن تبعَه محتجًّا بأنَّه لا خلافَ أنَّ خديجةَ صلَّت معه بعد فرضِ الصَّلاة، ولا خلافَ أنَّها توفِّيَت قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنين أو نحوها أو بخمسِ سنين، ولا خلافَ أنَّ فرْضَ الصَّلوات كانَ ليلةَ الإسراءِ، لكن في نفِي الخلافِ نظرٌ؛ إمَّا لأنَّ العسكريَّ حكى أنَّ خديجةَ ماتتْ قبل الهجرةِ بسبعِ سنين، وقيل: بأربعٍ، وعن ابنِ الأعرابيِّ أنَّها ماتَتْ عام الهجرةِ، وإمَّا لأنَّ فرض الصَّلوات اختُلِف فيه فقيل: كانَ من أوَّل البعثةِ ركعتَين بالغداةِ وركعتَين بالعشيِّ، وقيل: الذي فُرِض ليلةَ الإسراءِ الصَّلواتُ الخمسُ، فالمعتمدُ أنَّ مُراد من قال: ماتتْ قبلَ أن تُفرَضَ الصَّلاة أرادَ الصَّلوات الخمس، ومَن قال: ماتتْ بعد فرضِ الصَّلاةِ أرادَ ما كانَ قبلها، وبه يُجمَعُ بينَ القولين، ذكرَ جميعَ ذلك في ((الفتح)) معَ زيادةٍ، فتأمَّلْه.
          وعلى كلِّ الأقوالِ في المعراجِ فكانَ ليلةَ الاثنين، ففِي ابنِ أبي شيبةَ من حديثِ جابرٍ وابن عبَّاٍس أنَّهما قالا: ولد رسولُ اللهِ صلعم يومَ الإثنين، وفيهِ بُعِثَ، وفيه عرجَ به إلى السَّماء، وفيه ماتَ.