الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

منقبة سعد بن عبادة

          ░15▒ (بَابُ مَنْقَبَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ☺): وسقط: <باب> مِن كثيرٍ من الأصول، وسعدٌ هو أبو ثابتٍ، وقيل: أبو قيس بن عُبادة _بضمِّ العين وتخفيف الموحَّدة_؛ أي: ابن دُلَيم _بضمِّ الدَّال المهملة وفتح اللام_ ابن حارثة بن أبي حَزِيمة _بفتح الحاء المهملة وكسر الزَّاي_ ابن ثعلبةَ بن طريف بن الخزرج، وهو والد قيسٍ أحدُ مشاهير الصَّحابة وأحدُ المشهورين بالجود، وكان يحمِل إلى النبيِّ صلعم جفنةً مملوءةً ثريداً ولحماً، ويدور بها حيثما دار النبيُّ عليه السَّلام، وقال رسول الله في ولده / قيس: ((إنَّه مِن بيت جودٍ)).
          قال في ((التَّهذيب)): وأجمعوا على أنَّه توفِّيَ بحوران، قال ابنُ عساكر وغيره من الأئمَّة: وهذا القبر المشهور في المنيحةِ بقرب دمشقَ يُقال: إنَّه قبر سعد بن عبادة، فيحتمل أنَّه نقل من حوران إليها، قالوا: يُقال: إنَّ الجنَّ قتلته، وأنشدوا فيه البيتين المشهورين. انتهى.
          وقال القسطلانيُّ: ومات بحوران مِن أرض الشَّام، سنة أربع عشرةَ أو خمس عشرةَ، في خلافة عمرَ ☺، قال ابن الأثير في ((أسد الغابة)): ولم يختلفوا أنَّه وُجد ميتاً على مغتسله، وقد اخضرَّ جسده، ولم يشعروا بموتِه بالمدينة حتَّى سمعوا قائلاً يقولُ من بئرٍ ولا يرون أحداً:
نَحْنُ قَتْلَنَا سَيِّدَ الخَزْرَجِ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ                     فَرَميْنَاهُ بِسَهْمَينِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهُ
          فلمَّا سمع الغلمانُ ذلك ذعروا، فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الَّذي مات فيه سعدٌ بالشَّام، وقال ابنُ سيرين: بينا سعدٌ يبولُ قائماً إذا اتَّكأ فمات، قتلته الجنُّ، وقبره بالمنيحةِ قريةٌ من غوطة دمشقَ، يُزار إلى اليوم.
          (وَقَالَتْ عَائِشَةُ ♦: وَكَانَ): أي: سعدُ بن عبادةَ (قَبْلَ ذَلِكَ): أي: قبل الَّذي قاله في حديث الإفكِ (رَجُلاً صَالِحاً): هذا التَّعليق طرفٌ مِن حديث الإفك الآتي موصولاً في تفسير سورةِ النُّور، وذلك أنَّه لمَّا قال النَّبيُّ صلعم: ((يا معشرَ المسلمين؛ مَن يعذرُني في رجلٍ قد بلغني أذاهُ في أهلِ بيتي، فواللهُ ما علمتُ على أهلي إلَّا خيراً)) فقام سعدُ بن معاذٍ الأنصاريُّ فقال: يا رسول الله؛ أنا أعذرك فيه إن كان مِن الأوس ضربتُ عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيِّدُ الخزرج فقال لسعدٍ: كذبْتَ لعمرُ اللهِ لا تقتلُه ولا تقدرُ على قتلِهِ، فثار بينهم الكلامُ إلى أن أسكتهم النبيُّ صلعم.
          قيل: وليس مرادُ عائشة الغضَّ مِن سعدٍ؛ لأنَّه لم يكن منه إلَّا الرَّدُّ على سعد بن معاذٍ، ولا يلزم منه زوالُ تلك الصِّفة عنه في وقت صدور الإفك، وكان في هذه المقالة متأوِّلاً لأنَّه ظنَّ أن الأوسيَّ أراد الغضَّ من قبيلةِ الخزرج لِما كان بين الطَّائفتين فردَّ عليه، ثمَّ لم يقعْ من سعدٍ بعد ذلك شيءٌ يُعاب به إلَّا أنَّه امتنعَ من مبايعة أبي بكرٍ على ما قيل، وتوجَّه إلى الشَّام فمات بها متأوِّلاً أنَّ للأنصار استحقاقاً في الخلافةِ، وهو معذورٌ لاجتهاده وإن كان خطأً، والله أعلم.