الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله فقدم رسول الله

          3777- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا): بالجمع لأبي ذرٍّ (عُبَيْدُ): تصغيرُ: عبد (ابْنُ إِسْمَاعِيلَ): أي: الهباري، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو: حمَّاد بن أسامة (عَنْ هِشَامٍ): بكسر الهاء (عَنْ أَبِيهِ): أي: عروة بن الزبير بن العوَّام / (عَنْ عَائِشَةَ ♦ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ): بضم الموحدة وتخفيف العين المهملة فألف فمثلثة، وحكاهُ بعضُهم عن الخليل بالغين المعجمة، وهو تصحيفٌ على ما قال العسكريُّ وغيره.
          لكن رويَ بالوجهين عن الأصيليِّ كما حكاهُ عياض، وقيل: بالمعجمة فقط، وينسب لأبي ذرٍّ، وحكى القزَّاز في ((الجامع)) أنه يقالُ: بفتح أوله أيضاً، وهو ممنوعٌ من الصَّرف للعلميَّة والتأنيث باعتبار أنه بقعة، ويجوز صرفهُ باعتبارِ أنه موضعٌ على ميلين من المدينة، فقيل: حصنٌ منيعٌ، يقال له: واق، وقيل: مزرعةٌ عند بني قُريظة وقعَ فيه حربٌ بين الأوس والخزرج، قُتِل فيها كثيرٌ منهم، وكان رئيسُ الأوس فيه حُضير والد أُسيد، وكان يقال له: حضير الكتائب وفارسهم، ويقال له: ركنُ الرمح، وبه قُتِل وكان رئيس الخزرج يومئذ عَمرو بن النعمان البياضِي فقُتِل أيضاً فيها، وكان النَّصرُ فيها أولاً للخزرج ثمَّ بيتهم حضير فرجعوا وانتصرتِ الأوس، وجرح حُضيرٌ يومئذٍ فمات منها، وذلك قبل الهجرة بخمسِ سنين، وقيل: بأربع وقيل: بأكثر، والأوَّل أصح.
          وسببُ ذلك كما ذكرهُ أبو الفرج الأصبهاني أنه كان من قاعدتهم أنَّ الأصيلَ لا يقتل بالحليفِ، فقتل رجلٌ من الأوسِ حليفاً للخزرجِ، فأرادوا أن يقيِّدوه فامتنعوا فوقعتْ عليهم الحربُ لأجل ذلك، وكان قبل قدومهِ صلعم المدينة بخمسِ سنين، قيل: بقيتِ الحرب بينهم مئة وعشرين سنة حتَّى جاء الإسلام.
          وقوله (يَوْماً): خبر ((كان)) وجملة: (قَدَّمَهُ اللَّهُ): بتشديد الدال (لِرَسُولِهِ صلعم): إذ لو كانوا أحياءَ لاستكبروا عن متابعته عليه السلام، ولمنعهم حبُّ رئاستهم عن دخولِ رئيسٍ عليهم، وسقطتِ التصلية لأبي ذرٍّ (فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم): أي: المدينة.
          وجملة: (وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ): بهمزة بعد اللام؛ أي: جماعتهم، حالية (وَقُتِلَتْ): بالبناء للمفعول (سَرَوَاتُهُمْ): بفتح السين المهملة والراء فواو فألف، جمع: سَراة _بفتح السين_ أي: خيارهم وأشرافَهم (وَجُرِّحُوا): بالجيم وتشديد الراء وتخفيفها، وللأصيليِّ: بجيمين مخففاً؛ أي: اضطربوا، مبني للمفعول، ويروى: وحَرِّجوا _بفتح الحاء المهملة وكسر الراء فجيم_؛ أي: وضاقتْ صُدُورهم، ولأبي ذرٍّ عن المستملي: <وخرجوا> بالخاء المعجمة من الخروج؛ أي: خرجوا من أوطانهم.
          (فَقَدَّمَهُ اللَّهُ): بتشديد الدال؛ أي: ذلك اليوم (لِرَسُولِ اللَّهِ صلعم): سقطت التصلية لأبي ذرٍّ (فِي): أي: لأجل (دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ): أي: فكانَ في قتل من قتل من أشرافهم ممن كان يأنف أن يدخلَ في الإسلام مقدمات الخير، وقد بقيَ منهم من هذا النحو عبدُ الله بن أبي بن سلول.