نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر

          484- 485- 486- 487- 488- 489- 490- 491- 492- (حَدَّثنا إِبْرَاهِيمَ بنُ المُنذِر) بكسر الذال المعجمة، ابن عبد الله المديني الحِزَامي _بكسر المهملة وبالزاي_ نسبة إلى أحد أجداده توفي سنة ست وثلاثين ومائتين، وقد تقدَّم في أول كتاب العلم [خ¦59].
          (قَالَ: حَدَّثنا أَنَسَ بنُ عِياضٍ) بكسر المهملة، المدني المتوفى سنة ثمانين ومئة (قَالَ: حَدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةُ: عَن نَافِعٍ) وقد تقدَّم كلاهما في هذا الباب [خ¦483] (أَنَّ عَبْدَ اللهِ) وفي رواية: <عبد الله بن عمر>، وفي أخرى: <يعني ابن عمر> ☻ .
          (أَخْبَرهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم ، كَانَ يَنْزِلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) بضم المهملة وفتح اللام، هو الميقات المشهور لأهل المدينة، وهو من المدينة على أربعة أميال، ومن مكة على مائتي ميل غير ميلين.
          وقال الكرماني في مناسكه: بينها وبين المدينة ميل أو ميلان، والميل ثلث فرسخ / وهو أربعة آلاف ذراع، ومنها إلى مكة عشرة مراحل.
          وقال ابن التين: هي أبعد المواقيت من مكة تعظيماً لأجر النبي صلعم .
          (حِينَ يَعْتَمِرُ، وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ) حجة الوداع إنما قال في العمرة بلفظ المضارع وفي الحج بلفظ الماضي؛ لأنه صلعم لم يَحُجَّ إلا مرة وتكررت منه العمرة (تَحْتَ سَمُرَةٍ) بضم الميم، وهو شجرة الطلح وهو العظام من الأشجار التي لها شوك، وهي في ألسن الناس تعرف بأم غيلان.
          (فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ) وفي نسخة: <الذي كان بذي الحليفة> (وَكَانَ) صلعم (إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ كان) صفة لغزو، وفي نسخة: <وكان> بالواو على أنها جملة حالية بتقدير قد، وفي أخرى: <غزوة كان> بالتذكير في كان باعتبار تأويل الغزوة بالسفر، وفي أخرى: <غزوة وكان>.
          (فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ) أي: طريق ذي الحليفة (أَوْ) كان (فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) وإنما لم يؤخر قوله في تلك الطريق عن الحج والعمرة؛ لأنهما لا يكونان إلا في تلك الطريق (هَبَطَ) صلعم (مِنْ بَطْنِ وَادٍ) وهو وادي العقيق، وفي رواية سقط حرف الجر، وفي أخرى: <من ظهر واد> بدل <بطن واد>.
          (فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ، أَنَاخَ) راحلته (بِالْبَطْحَاءِ) قال في ((المحكم)): بطحاء الوادي تراب لَين مما جَرَّته السيول، والجمع بطحاوات وبِطاح، فإن اتسع وعرض فهو الأبطح، والجمع الأباطح.
          وقال أبو حنيفة الدينوري صاحب اللغة: الأبطح لا ينبت شيئاً إنما هو بطن السيل.
          وفي ((الجامع)) للقزاز: الأبطح والبطحاء والبطاح: الرمل المنبسط على وجه الأرض، وفي ((الواعي)): البطحاء: حصى ورمل يُنْقَل من مسيل الماء، وقال النَّضر بن شميل: بطحاء الوادي وأبطحه حصاه اللين، وقال أبو سليمان: هي حجارة ورمل، قال الداودي: كل أرض منحدرة.
          وفي ((الكفاية)): منعطف الوادي، وفي ((المنتهى)): الأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والجمع الأباطح، وكذلك البطحاء، وفي ((الصحاح)): البطاح على غير قياس، والبطيحة مثل الأبطح.
          (الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي) بفتح الشين المعجمة؛ أي: طرفه، وقال ابن سيده: شفير الوادي وشفره ناحيته من أعلاه (الشَّرْقِيَّةِ) صفة البطحاء (فَعَرَّسَ) بمهملات مع تشديد الراء؛ أي: نزل آخر الليل للاستراحة.
          قال الأصمعي: عرَّس المسافرون تعريِساً إذا نزلوا نزلة في وجه السحر وأناخوا إبلهم فَرَوَّحوها ساعة حتى ترجع إليها أنفسها.
          وعن أبي زيد: عرَّس القوم في المنزل تعريساً نزلوا بأي حين كان من ليل أو نهار. وفي ((المحكم)): المُعرِّس الذي يسير نهاره ويعرس؛ / أي: ينزل أول الليل، وفي ((الصحاح)): أعرسوا لغة فيه قليلة، والموضع مُعَرَّس ومُعْرَس، وفي ((الغريبين)): التعريس نومة المسافر بعد إدلاج الليل. وفي ((المغيث)): عرَّس؛ أي: نزل للنوم والاستراحة والتعريس النزول لغير إقامة.
          (ثَمَّةَ) بفتح المثلثة وتشديد الميم؛ أي: هنالك (حَتَّى يُصْبِحَ) بضم أوله؛ أي: يدخل في الصباح وهي تامة لا تحتاج إلى الخبر (لَيْسَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ، وَلاَ عَلَى الأَكَمَةِ) بفتح الهمزة والكاف.
          قال ابن سيده: هي التل من القف من حجارة واحدة، وقيل: هو دون الجبال، وقيل: هو الموضع الذي تل واشتد ارتفاعاً مما حوله وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجراً، والجمع أَكَم _بفتحتين_، وأُكُم _بضمتين_ وإِكام _بكسر الهمزة_ وآكام _بمد الهمزة_ وآاكم كأفلس، الأخيرة عن ابن جني.
          وفي ((الواعي)) لأبي محمد: الآكام دون الضراب.
          وفي ((الصحاح)): والجمع: أكمات، وجمع الأكم آكام مثل عنق وأعناق.
          وقال الكرماني: الأَكَمة _بفتح الهمزة والكاف_ التل، ويجمع على أَكم وهو على إكَام مثل جبل وجبال، وهو على أُكُم مثل كتاب وكتب وهو على أكام مثل عنق وأعناق، وهو من الغرائب.
          (الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسْجِدُ كَانَ ثَمَّة) بفتح المثلثة وتشديد الميم؛ أي: هنالك (خَلِيجٌ) بفتح المعجمة وكسر اللام آخرُه جيم.
          قال في ((المنتهى)): هو شرم من البحر اخُتِلج منه، والخليج النهر العظيم والجمع خلجان، وربما قيل للنهر الصغير يختلج من النهر الكبير خليجٌ.
          وفي ((المحكم)): الخليج ما انقطع من معظم الماء، وقيل: الخليج شعبة تنشعب من الوادي.
          وفي كتاب ابن التين: الخليج واد عميق ينشق من آخر أعظم منه، وفي كتاب ((الأماكن)) للزمخشري: جبل خليج أحد جبال مكة شرفها الله تعالى.
          (يُصَلِّي عَبْدُ اللَّهِ) بن عمر ☻ (عِنْدَهُ، فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ) بضم الكاف والثاء المثلثة، جمع: كثيب.
          قال أبو المعافى: هو رمل اجتمع، وكل ما اجتمع من شيء وانهار فقد انكثب فيه، ومنه اشتُق الكثير من الرمل في معنى مكثوب؛ لأنه انصب في مكان واجتمع فيه، والجمع كثبان وهي تلال من رمل.
          وفي ((المحكم)): الكثيب من الرمل القطعة تبقى محدودبة، وقيل: هو ما اجتمع واحدودب والجمع: أكثبة وكثب.
          وفي ((الجامع)) للقزاز: إنما سمي كثيباً؛ لأن ترابه دقاق كأنه مكثوب؛ أي: منثور بعضه على بعض لرخاوته.
          (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم ثَمَّة) أي: هنالك (يُصَلِّي) قال البِرماوي والكرماني: هو مرسل من نافع (فَدَحَا) من الدحو بالحاء المهملة وهو البسط، يقال: دحى يدحو ويدحي دحواً، قاله ابن سيده.
          وفي ((الغريبين)): كل شيء بسطته ووسعته فقد دحوته، ويروى: «فدخل»، من الدخول، ويروى «قد جاء» بكلمة «قد» / و«جاء» من المجيء.
          (السَّيْلَ فِيهِ بِالبَطْحَاءِ، حَتَّى دُفِنَ) السيل (ذَلِكَ المكَانَ، الَّذيْ كَانَ عَبْدُ اللهِ) ابن عمر ☻ (يُصلِّي فِيهِ).
          (وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بنُ عُمَرَ) ☻ (حَدَّثَهُ) أي: نافعاً بالإسناد المذكور (أَنَّ النبيَّ صلعم صَلَّى حَيْثُ) أي: في مكان هو (المَسْجِدُ الصَّغيرُ) وفي بعض الأصول: <صلى جَنْب المسجد> _بالجيم والنون والموحدة_ فالمسجد حينئذ مجرور بالإضافة (الَّذِي دُونَ المَسْجِدِ الَّذِي بِشَرفِ الرَّوحاءِ) هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وقد تقدَّم [خ¦484] وهي آخر السيالة للمتوجه إلى مكة والمسجد الأوسط هو في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم.
          (وقَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ) بن عمر ☻ (يَعْلَمُ) على صيغة المضارع المعلوم من العلم، وفي رواية: <يُعْلِم> من الإعلام، من العلامة.
          (المَكَانَ الَّذِي كَانَ صَلَّى) وفي رواية: <الذي صلى> (فِيهِ النَّبِيُّ صلعم ، يَقُولُ) عبد الله بن عمر ☻ المكان الموصوف: (ثَمَّة) أي: هناك (عَنْ يَمِينِكَ، حِينَ تَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ تُصَلِّي، وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ عَلَى حَافَةِ) بتخفيف الفاء؛ أي: على جانب. (الطَّرِيقِ الْيُمْنَى، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الأَكْبَرِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ).
          (وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ) ☻ (كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْعِرْقِ) بكسر العين وسكون الراء وبالقاف، الجبل الصغير أو عِرْقِ الظَّبية وهو الوادي المعروف.
          وقال الخليل: العِرْق الجبل الرقيق من الرمل المستطيل مع الأرض.
          وقال الداودي: هو المكان المرتفع، ويقال أيضاً للأرض الذي لا تُنْبِت.
          (الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءِ) بفتح الراء فيهما؛ أي: عند آخرها (وَذَلِكَ الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفِهِ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ) وفي رواية: <انتهى طرفُه> (دُونَ) أي: قريب أو تحت (الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدِ ابْتُنِيَ) على البناء للمفعول من الابتناء (ثَمَّة) أي: هناك (مَسْجِدٌ، فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ) وفي رواية: <عبد الله بن عمر> (يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، كَانَ) وفي رواية: <وكان> بالواو.
          (يَتْرُكُهُ عَنْ يَسَارِهِ ورائه) بالجر عطفاً على يساره، وبالنصب بتقدير في ظرفاً (وَيُصَلِّي أَمَامَهُ) أي: قدام المسجد (إِلَى الْعِرْقِ نَفْسِهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ) بن عمر ☻ (يَرُوحُ مِنَ الرَّوْحَاءِ، فَلاَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ، وَإِذَا / أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ، فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْحِ بِسَاعَةٍ، أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ) وهو عبارة عما بين الصبح الكاذب والصادق، والفرق بين العبارتين؛ أعني قوله: ((قبل الصبح بساعة))، وقوله: ((آخر السحر)) هو أنه أراد بآخر السحر أقل من ساعة، أو أراد الإيهام ليتناول قدر الساعة وأقل وأكثر منها (عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ).
          (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ) بن عمر ☻ (حَدَّثَهُ) بالسند السابق (أَنَّ النَّبِيَّ) وفي رواية: <أن رسول الله> ( صلعم كَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة، أراد بها الشجرة (ضَخْمَةٍ) أي: عظيمة.
          وقال أبو حنيفة الدّينوري: إن أبا زيد قال: السرح من العضاه واحدته سرحة، والسرح: طوال في السماء، وقد تكون السرحة دوحة مِحْلاً لاً واسعة يحل تحتها الناس في الصيف ويبنون تحتها البيوت، وقد تكون منها العشبة القليلة الفروع والورق، وللسرح عنب يسمى آآء واحدته آءة يأكله الناس أبيض، وورقته صغيرة عريضة تأكله الماشية لو تقدر عليه، ولكن لا تقدر لطوله، ولا صمغ له ولا منفعة فيه أكثر مما أخبرتك إلا إنَّ ظله صالح.
          فمن أجل ذلك قال الشاعر وكنى عنها بامرأة:
فيَا سَرْحة الرُّكْبَان ظِلُّكِ بَارِد                     وماؤُكِ عَذْب لَا يَحلُّ لشاربِ
          وليس للسرح شوك.
          وقال أبو عمر: السرح يشبه الزيتون. وروى الفراء عن أبي الهيثم: أن كل شجرة لا شوك فيها فهي سرحة.
          وأخبرني أعرابي قال: في السرحة غُبْرةٌ وهي دون الأثل في الطول وورقها صغار وهي سبطة الأفنان، قال: وهي مائلة أبداً وميلها من بين جميع الشجر في المُحكم شق اليمين ولم أبل على هذا الأعرابي كذباً.
          وزعم بعض الرواة أن السرح من نبات القف، وقال غيره: من نبات السهل وهو قول الأصمعي.
          وفي ((المنتهى)): السرح شجر عظام طوال.
          وفي ((الجامع)): كل شجرة طالت فهي سرحة، وفي ((المطالع)) قيل: هي الدفلى.
          وقال أبو علي: هو نبت، وقيل: لها هدب وليس لها ورق وهو يشبه الصوف.
          (دُونَ الرُّوَيْثَةِ) أي: تحتها أو قريباً منهاً، والرُّوَيْثَة _بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء وفتح المثلثة على صيغة التصغير_.
          قال البكري: هي قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخاً، ومن الرويثة إلى السقيا عشرة فراسخ، وعقبة العرج على أحد عشر ميلاً من الرويثة، وبينها وبين العرج ثلاثة أميال، وهي غير الرويثة ماءٍ لبني عجل بين طريق / الكوفة والبصرة، ذكره ياقوت.
          وقال الكرماني: وفي بعض النسخ: <الرَّقْشة> بفتح الراء وسكون القاف وإعجام الشين.
          قال محمود العيني: لم يذكر البكري إلا الرقاش وقال: هو بلد.
          (عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَوجَاه الطَّرِيقِ) بضم الواو وكسرها، بمعنى المقابل وهو عطف على اليمين ويجوز النصب على الظرفية (فِي مَكَانٍ بَطحٍ) بفتح الموحدة وسكون المهملة أو كسرها؛ أي: واسع (سَهْلٍ، حَتَّى) وفي رواية: <حين> (يُفْضِيَ) من الإفضاء بمعنى الخروج يقال: أفضيتُ إذا خرجتَ إلى الفضاء أو بمعنى الدفع كقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة:198] أو بمعنى الوصول؛ أي: يخرج صلعم .
          وقال الكرماني: وفي بعض النسخ بلفظ الخطاب.
          (مِنْ أَكَمَةٍ) موضع مرتفع (دُوَيْنَ) مصغر دون، وهو نقيض الفوق ويقال: هو دون ذاك؛ أي: قريباً منه (بَرِيدِ الرُّوَيْثَةِ بِمِيلَيْنِ) والبريد هو المرتب واحداً بعد واحد والمراد به موضع البريد، والمعنى بينه وبين المكان الذي ينزل فيه البريد بالرويثة ميلان، ويقال: المراد بالبريد سكة الطريق.
          (وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلاَهَا) أي: أعلى الأكمة (فَانْثَنَى) أي: انعطف (فِي جَوْفِهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ) كالبنيان ليست متسعة من أسفل (وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ) بكاف ومثلثة مضمومتين، جمع كثيب؛ أي: تلال رمل (كَثِيرَةٌ).
          (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) ☻ (حَدَّثَهُ) بالإسناد السابق أيضاً (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ، صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ) بفتح المثناة الفوقية وسكون اللام وبالعين المهملة، هي أرض مرتفعة عريضة يتردد فيها السيل.
          والتلعة: مجرى الماء من أعلى الوادي، والتلعة ما انهبط من الأرض، وقيل: التلعة مثل الرحبة والجمع في كل ذلك تلع وتلاع.
          وعن صاحب ((العين)): التلعة أرض مرتفعة غليظة وربما كانت على غلظها عريضة.
          وفي ((الجامع)): التلعة من الوادي ما اتسع من فوهته، وقيل: هي مسيل الماء من الأرض المرتفعة إلى بطن الوادي فإن صَغُر عن ذلك فهي شُعْبة فإذا عظم فكان نصف الوادي فهي الميثاء.
          وعن الرماني: الأصل في التلعة الارتفاع، وقيل: هي فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل.
          (مِنْ وَرَاءِ الْعَرْجِ) بفتح المهملة وسكون الراء وفي آخره جيم، قرية جامعة على طريق مكة بينها وبين الرويثة أربعة عشر ميلاً.
          قال البكري قال السكوني: المسجد النبوي على خمسة أميال من العرج.
          قال كثير: إنما سمي العرج لتعريجه، وبين العرج والسقيا سبعة عشر ميلاً.
          وقال ياقوت: العرج قرية جامعة من نواحي الطائف، والعرج عَقَبة بين مكة والمدينة على جادة الطريق يذكر مع السقيا، وسوق العرج بلد بين المحالب والمهجم.
          وقال الزمخشري: العرج واد بالطائف، والعرج أيضاً منزل بين المدينة ومكة، وجاء فتح الراء أيضاً.
          (وَأَنْتَ ذَاهِبٌ / إِلَى هَضْبَةٍ) بفتح الهاء وسكون الضاد المعجمة وفتح الموحدة، هي الجبل المنبسط على وجه الأرض.
          وقال أبو زيد: الهضبة من الجبال ما طال واتسع وانفرد من الجبال، والجمع: الهضبات والهِضاب. وعن سيبويه: وقد قالوا هضبة وهضب.
          وقال صاحب ((العين)): الهضبة كل جبل خُلِق من صخرة واحدة، وكل صخرة ضخمة صلبة راسية تسمى هضبة.
          وفي ((الجامع)): هي القطعة المرتفعة من أعلى الجبل، وفي ((المجمل)): هي أكمة ملساء قليلة النبات.
          وفي ((المطالع)): هي فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل.
          (عِنْدَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ عَلَى الْقُبُورِ رَضمٌ) الرَّضْم _بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة أو بفتحها_ الحجارة البيض.
          والرضْمة والرَضَمة: الصَّخرة العظيمة مثل الجزور وليست بثابتة، والجمع: رضم ورضام، ورَضَمَ الحجارةَ جعل بعضها على بعض، وكل بناء بني بصخر رضيم.
          وفي ((الجامع)) ويقال: مرضوم أيضاً.
          (مِنْ حِجَارَةٍ) وفي رواية الأَصيلي: <رضَم حجارةٍ> بتحريك الضاد وحذف كلمة من (عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ سَلِمَاتِ الطَّرِيقِ) بفتح السين المهملة وكسر اللام، في رواية أبي ذر والأَصيلي، وفي رواية الباقين: بفتح اللام، قيل: هي _بالكسر_ صخرات، _وبالفتح_ شجرات يُدبغ بورقها الأديم.
          (بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ) وفي بعض النسخ: <من أولئك السلمات> وهي في النسخة الأولى ظاهر التعلق بما قبله، وفي الثانية بما بعده (كَانَ عَبْدُ اللَّهِ) بن عمر ☻ (يَرُوحُ مِنَ الْعَرْجِ، بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالْهَاجِرَةِ) وهي نصف النهار عند اشتداد الحر (فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ).
          (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ) بالإسناد السابق.
          (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم ، نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ) بالتحريك جمع: سرحة وهي الشجرة الضخمة كما تقدَّم [خ¦487] (عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، فِي مَسِيلٍ) بفتح الميم، وهو المكان المنحدر (دُونَ هَرْشَى) بفتح الهاء وسكون الراء وفتح الشين المعجمة مقصوراً على وزن فَعْلى.
          قال أبو عبيد: هو جبل من بلاد تهامة، وهو على ملتقى طريق المدينة والشام قريب من الجُحْفة يُرى منه البحر، قيل: سمي هرشى لمهارشة كانت بينهم، والتهريش الإفساد بين القوم.
          (ذَلِكَ الْمَسِيلُ لاَصِقٌ بِكُرَاعِ) بضم الكاف؛ أي: بطرف (هَرْشَى، بَيْنَهُ / وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ) بفتح المعجمة، قال الجوهري: الغلوة غاية مقدار رمية بالسهم.
          وقال ابن سيده: غلا بالسهو غلواً وغلوًّا وغالى به غِلاء رفع به يده يريد أقصى الغاية، وهو من الغلو بمعنى التجاوز، ورجل غلَّاء: بعيد الغلو بالسهم، وغلا السهم نفسه ارتفع في ذهابه وجاوز المدى، وكذلك الحجر، وكل مرماة غلوة، والجمع: غلوات وغلاء، وقد تستعمل الغلوة في سباق الخيل أيضاً.
          وقالت الفقهاء: الغلوة أربعمائة ذراع.
          (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ) بن عمر ☻ (يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ) بفتح السين وسكون الراء (هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ) بفتح الراء؛ أي: إلى شجرة هي أقرب الشجرات (إِلَى الطَّرِيقِ، وَهْيَ أَطْوَلُهُنَّ).
          (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) ☻ (حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ، كَانَ يَنْزِلُ فِي الْمَسِيلِ) أي: المكان المنحدر (الَّذِي فِي أَدْنَى مَرِّ الظَّهْرَانِ) بفتح الميم وتشديد الراء، مضافاً إلى الظَّهْران _بظاء معجمة مفتوحة وهاء ساكنة_ بينه وبين البيت ستة عشر ميلاً وهو الوادي الذي يسميه العامة ببطن مرْو _بسكون الراء بعدها واو_.
          وقال كُثَيِّرُ: عزَّة سُمِّي مراً لمرارة مائها، وقال أبو غسان: سمي بذلك لأن في بطن الوادي كتابة بعرق من الأرض أبيض هجاء م ر، الراء منفصلة عن الميم، وببطن مر تخزعت خزاعة عن أخواتها فبقيت بمكة شرفها الله تعالى وسارت أخواتها إلى الشام أيام سيل العَرِمْ.
          وقال الزمخشري: مر الظهران بتهامة قريب من عرفة، وقال الفراء: لم أسمع إلا بتثنيته فلم يجمع ولم يُوَحد.
          (قِبَلَ) بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: مقابل (الْمَدِينَةِ) وجهتها (حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ) بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء، جمع: صفراء وهي الأودية والجبال التي بعد مر الظهران (يَنْزِلُ) بالمثناة التحتية.
          (فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ) ويروى: <تنزل> بلفظ الخطاب ليوافق قوله: (وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلاَّ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ).
          (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ) بالسند السابق (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ، كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى) بضم الطاء في رواية الأكثرين، وفي رواية الحمويي والمستملي: <بذي الطوى> بزيادة اللام، وقيَّده / الأَصيلي بالكسر، وحكى عياض وغيره: الفتح أيضاً.
          وقال النووي: ذو طوى _بالفتح_ على الأفصح ويجوز ضمها وكسرها، وبفتح الواو المخففة، وفيه لغتان الصرف وعدمه موضع عند باب مكة بأسفلها.
          وقال الجوهري: ذو طُوى _بالضم_ موضع بمكة، وأما طوى فهو اسم موضع بالشام تُكسر طاؤه وتضم.
          (وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ، يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ، وَيُصَلِّي رَسُولِ اللَّهِ صلعم ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ) وفي رواية: <عظيمة> (لَيْسَ فِي المَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ، وَلَكِنْ أَسْفَل) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، وبالنصب؛ أي: في أسفل (مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ)(1) .
          (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ) وزاد الأَصيلي: <ابن عمر ☻ > (حَدَّثَهُ) بالإسناد السابق (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الْجَبَلِ) بضم الفاء وسكون الراء وفتح الضاد المعجمة، تثنية فرضة وهي مدخل الطريق إلى الجبل، وقيل: الشِّق المرتفع كالشرافة، ويقال أيضاً لمدخل النهر، وفرضة النهر ثلمته التي يُسْتقىَ منها.
          وفي ((المحكم)): فرضة النهر مشرب الماء منه، والجمع: فُرَض وفِراض.
          (الَّذِي بَيْنَهُ) وفي رواية: <كان بينه> (وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ) أي: ناحيتها وهو متعلق بالطويل، أو ظرف للجبل أو بدل من الفرضة.
          قال نافع: (فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ) بن عمر ☻ (الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّة) بفتح المثلثة؛ أي: هناك (يَسَارَ الْمَسْجِدِ) مفعول ثان لقوله: جعل.
          وقوله: (بِطَرِيقِ الأَكَمَةِ) صفة للمسجد الثاني (وَصَلَّى النَّبِيِّ صلعم أَسْفَلَ مِنْهُ) بالنصب على الظرفية (عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ، تَدَعُ مِنَ الأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ) بالذال المعجمة (أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ تُصَلِّي) حال كونه (مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ).
          اعلم أنه قد اشتمل هذا السياق على تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان في ((مسنده)) مفرقة من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن أنس بن عياض يعيد الإسناد في كل حديث إلا أنه لم يذكر الثالث.
          وأخرج مسلم منها الحديثين الآخرين في كتاب الحج، ثم إن هذه المساجد لا يعرف اليوم منها غيرُ مسجد ذي الحليفة، والمساجد التي بالروحاء يعرفها أهل تلك الناحية، وقد وقع له في رواية الزبير بن بكار في ((أخبار المدينة)) له من طريق أخرى / عن نافع، عن ابن عمر ☻ في هذا الحديث زيادة بسط في تلك المساجد.
          ثم إن المؤلف ☼ ذكر المساجد التي في طرق المدينة ولم يذكر المساجد التي كانت بالمدينة؛ لأنه لم يقع له إسناد في ذلك على شرطه.
          وأخرج أبو داود في كتاب ((المراسيل)) من حديث أبي لهيعة عن بُكَير بن عبد الله بن الأشج قال: كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجد النبي صلعم يسمع أهلها تأذين بلال ☺ فيُصلُّون في مساجدهم أقربها مسجد بني عمرو بن مَبْذول، ومسجد بني سَاعِدة، ومسجد بني عبيد، ومسجد بني سَلَمة، ومسجد بني رابح بن عبد الأشهل، ومسجد بني زريق، ومسجد غِفَار، ومسجد أسلم، ومسجد جُهينة، وشك في التاسع.
          وفي كتاب ((أخبار المدينة)) لأبي زيد عمر بن شبَّة النميري النحوي الأخباري بسند له في ذكر المساجد التي بالمدينة، عن رافع بن خَدِيج صلى النبي صلعم في المسجد الصغير الذي بأُحد في شِعْب الجرار على يمينك اللازق بالجبل.
          وعن أَسِيدِ بن أبي أَسِيد عن أشياخه: أن النبي صلعم دعا على الجبل الذي عليه مسجد الفتح، وصلى في المسجد الصغير الذي بأصل الجبل حين تصعد الجبل.
          وعن عُمَارة بن أبي اليسر: صلَّى النبي صلعم في المسجد الأسفل، وعن جابر: دعا النبي صلعم في المسجد المرتفع ورفع يديه مداً، وعن عمرو بن شرحبيل: أن النبي صلعم صلى في مسجد بني خدارة، وعن عمر بن قتادة: أن النبي صلعم صلى لهم في مسجد بني أمية من الأنصار، وكان في موضع الخربتين اللتين عند مال نهيك.
          وعن الأعرج: أن النبي صلعم صلى على ذُباب _بضم الذال المعجمة وبالبائين الموحدتين_ هو جبل بالمدينة، وفي لفظ: كان ضرب قبته يوم الخندق عليه.
          وعن جابر بن أسامة قال: خط النبي صلعم مسجد جهينة ليلاً، وفي لفظ: وصلى فيه، وعن سعد بن إسحاق: أن النبي صلعم صلى في مسجد بني ساعدة الخارج من بيوت المدينة، وفي مسجد بني بياضة، ومسجد بني الحبلى، ومسجد بني عصبة، وعن العباس بن سهل: أن النبي صلعم صلى في مسجد بني ساعدة، وعن يحيى بن سعد: كان النبي صلعم يختلف إلى مسجد أبيٍّ فيصلي فيه غير مرة ولا مرتين، وقال: ((لولا أن تميل الناس إليه لأكثرت الصلاة فيه)).
          وعن يحيى بن النَّضر: أن النبي صلعم صلى في مسجد أبي ابن كعب في بني جذيلة، ومسجد / بني عمرو بن مبذول، ومسجد بني دينار، ومسجد النابغة، ومسجد بني عدي، وجلس في كهف سلع.
          وعن هشام بن عروة: أن النبي صلعم صلى في مسجد بلحارث بن الخزرج، ومسجد السنح _بالنون والحاء المهملة_، ومسجد حطمة، ومسجد الفضيح، وفي صدقة الزبير، وفي بني محمم، وفي بيت صرمة في بني عدي.
          وعن الحارث بن سعيد: أن النبي صلعم صلى في مسجد بني حارثة، وبني ظفر، وبني عبد الأشهل، وعن إسماعيل بن أبي حبيبة: أن النبي صلعم صلى في مسجد راقم، وعن ابن عمر: أن النبي صلعم صلى في مسجد بني معاوية، وعن كعب بن عجرة: أن النبي صلعم صلى في مسجد عاتكة في بني سالم، وعن جابر: أن النبي صلعم صلى في مسجد (2) الخربة، ومسجد القبلتين، ومسجد بني حرام الذي بالقاع.
          وعن محمد بن عتبة بن أبي مالك: أن النبي صلعم صلى في صدقته، وعن يحيى بن إبراهيم: أن النبي صلعم صلى في مسجد رابح، وعن زيد بن سعد: أن النبي صلعم صلى في حائط أبي الهيثم، وعن جابر: أن النبي صلعم صلى الظهر يوم أحد على عينين، وعن علي بن رافع: أن النبي صلعم صلى في بيت امرأة من الخضر فأدخل ذلك البيت في مسجد بني قريظة، وعن سلمة الخطمي: أن النبي صلعم صلى في بيت المقعدة عند مسجد بني وائل في مسجد العجوز.
          وعن أبي هريرة: أن النبي صلعم عرض المسلمين بالسقيا التي بالحرة متوجِّهاً إلى بدر وصلى بها.
          وعن المطلب: أن النبي صلعم صلى في بني ساعدة، وصلى في المسجد الذي عند السَنَحين، وبات فيه وهو الذي عند ((البدائع))،. وعن هشام: أن النبي صلعم صلى في مسجد الشجرة بالمعرس، وعن أبي هريرة ☺: أن النبي صلعم صل في بيت إلى [جنب] مسجد بني خدارة.
          قال أبو غسان: قال لي غير واحد من أهل العلم: إن كل مسجد من مساجد المدينة ونواحيها مبني بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبي صلعم ، وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد النبي صلعم سأل _والناس يومئذ متوافرون_ عن المساجد التي صلى فيها النبي صلعم ثم بناها بالحجارة المطابقة.
          وعن ابن أبي خيثمة: أن النبي صلعم / صلى في دار الشفاء على يمين من دخل الدار، وصلى في دار بُسْرة بنت صفوان، وفي دار عمرو بن أمية الضَّمْري.
          وقال الحافظ العسقلاني: قد اندثر أكثر هذه المساجد وبقي من المشهورة الآن مسجد قباء، ومسجد الفضيخ، وهو شرقي مسجد قباء (3)، ومسجد بني قريظة، ومشربة أم إبراهيم وهي شمالي مسجد قريظة، ومسجد بني ظفر شرقي البقيع ويعرف بمسجد البغلة، ومسجد بني معاوية ويعرف بمسجد الإجابة، ومسجد الفتح قريب من جبل سلع، ومسجد القبلتين في بني سلمة.
          قال: هكذا أثبته بعض شيوخنا، وفائدة ذلك ما قال البغوي من الشافعية: أن المساجد التي ثبت أن النبي صلعم صلى فيها لو نَذَر أحد الصلاة في شيء منها يتعين كما يتعين المساجد الثلاثة.
          هذا؛ وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة في المواضع التي صلى فيها الشارع فقال: ما يعجبني ذلك إلا في مسجد قباء؛ لأنه صلعم كان يأتيه راكباً وماشياً، ولم يفعل ذلك في تلك الأمكنة، والله أعلم.


[1] ((من قوله: وفي رواية:... إلى قوله: غليظة)): ليس في (خ).
[2] ((من قوله: عاتكة في... إلى قوله: في مسجد)): ليس في (خ).
[3] قوله: ((ومسجد الفضيخ، وهو شرقي مسجد قباء)): ليس في (خ).