نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الصلاة في الجبة الشامية

          ░7▒ (باب) حكم (الصَّلاَةِ فِي الْجُبَّةِ) بضم الجيم وتشديد الموحدة، التي هي تلبس، وجمعها جباب (الشَّأْمِيَّةِ) نسبة إلى الشام؛ وهو الإقليم المعروف دار الأنبياء ‰، ويجوز فيه الألف والهمزة الساكنة، والمراد بالجبة الشامية: هي التي تنسجها الكفار.
          وإنَّما ذكره بلفظ الشامية مراعاة للفظ الحديث، وكان هذا في غزوة تبوك والشام إذ ذاك دار كفر ولم تفتح بعد، وإنَّما حمل على ذلك؛ لأنَّ عقد الباب لبيان جواز الصلاة في الثياب التي ينسجها الكفار ما لم يتحقق نجاستها.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ) أي: البصري (فِي الثِّيَابِ) التي (يَنْسُجُهَا) من باب ضرب، أو من باب نصر، وقال ابن التين: قرأناه _بكسر السين_ .
          (المَجُوُس) جمع المجوسي وهو معرفة سواء كان محلى باللام أو لا، والأكثر على أنه يجري مجرى القبيلة لا مجرى الحي في باب الصرف، وفي بعض النسخ: <المجوسي> بالياء، والجملة صفة للثياب، والمسافة بين النكرة والمعرف بلام الجنس قصيرة؛ فلذلك وصفت المعرفة بالنكرة كما وصف اللئيم بقوله: يسبُّني في قول الشاعر:
ولقد أمرُّ على اللَّئيمِ يسبُّنِي
          وفي بعض النسخ: <في ثيابٍ ينسجها المجوس> بتنكير الثياب، فعلى هذا لا يحتاج إلى ما ذكر.
          (لَمْ يَرَ) على صيغة المعلوم؛ أي: لم ير الحسن فيكون من باب التجريد كأنَّه جرد عن نفسه شخصاً فأسند إليه، أو هو مقول الراوي عنه (بِهَا بَأْساً) قبل أن تغسل، وهذا الأثر وصله نعيم بن حماد، عن معتمر، عن هشام عنه ولفظه: ((لا بأس بالصلاة في الثوب الذي ينسجه المجوس قبل أن يغسل)).
          وروى أبو نُعيم الفضل بن دكين في كتاب الصلاة تأليفه عن الربيع عن الحسن: ((لا بأسَ بالصلاةِ في رداءِ اليهوديِّ والنصرانيِّ))، وقد أجازه الأئمة، لكن كرهه ابن سيرين / كما رواه ابن أبي شيبة، وسيجيء الخلاف عن مالك ☼ أيضاً.
          (وَقَالَ مَعْمَرٌ) بفتح الميمين، هو ابن راشد (رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ) محمد بن مسلم ابن شهاب (يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ مَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ) إن كان المراد منه جنس البول فهو محمول على أنَّه كان يغسله قبل لبسه، وإن كان المعهود وهو بول ما يؤكل لحمه فهو طاهر عند الزهري، وهذا الأثر وصله عبد الرزاق في ((مصنفه)).
          (وَصَلَّى عَلِيٌّ) أي: علي بن أبي طالب _كما في رواية_ ☺ (فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ) أي: خام غير مدقوق؛ يعني جديداً لم يغسل، يقال: قصرتُ الثوب إذا دققتَه، ومنه القصار، كذا قال ابن التين.
          وقال محمود العيني: القصر ليس مجرد الدق، بل هو الدق الذي يكون بعد الغسل الذي يبالغ فيه.
          وقال الداودي: أي: لم يلبس بعد، وروى ابن سعد من طريق عطاء بن محمد قال: رأيت علياً ☺ صلى وعليه قميص كرابيس غير مغسول.
          وعلم من هذه الآثار الثلاثة جواز لبس الثياب التي ينسجها الكفار، وجواز لبس الثياب التي تصبغ بالبول بعد الغسل، وجواز لبس الثياب الخام قبل الغسل.
          وقال ابن بطال: اختلفوا في الصلاة في ثياب الكفار، فأجاز الشافعي والكوفيون لبسها وإن لم تغسل حتى يتبين فيها النجاسة.
          وقال مالك: يستحب أن لا يصلي على الثياب إلاَّ من حرٍ أو بردٍ أو نجاسةٍ بالموضع.
          وقال مالك أيضاً: تكره الصلاة في الثياب التي نسجها المشركون وفيما لبسوه، فإن فعل يعيد في الوقت.
          وقال إسحاق: جميع ثيابهم طاهرة.
          ثم إنَّ المؤلف ☼ ذكر الأثرين الأخيرين استطراداً، فافهم.