نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما يذكر في الفخذ

          ░12▒ (باب مَا يُذْكَرُ فِي) حكم (الْفَخِذِ) أنَّها عورة أو ليست بعورة، ويجوز في الفخذ كسر العين وإسكانها، وفي رواية الكشميهني: <من الفخذ> (وَيُرْوَى) على البناء للمفعول، وفي نسخة: <قال أبو عبد الله هو البخاري> ذكر نفسه بكنيته وليس بموجود في أكثر النسخ.
          (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (وَ) عن (جَرْهَدٍ) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء وفي آخره دال مهملة.
          قال الكرماني: هو أبو عبد الرحمن بن خويلد الأسلمي المدني، وكان من أهل الصُّفَّة، مات سنة إحدى وستين.
          وفي ((التهذيب)): جرهد الأسلمي هو ابن رِزَاح بن عدي، وقيل: غير ذلك له صحبة، عدادُه في أهل المدينة، له عن النبي صلعم حديث واحد: ((الفخذ عورة)) وفي إسناد حديثه اختلاف كثير.
          وقال أبو عمر: جعل ابن أبي حاتم جرهد بن خويلد غير جرهد بن رِزَاح، ثم قال: وهذا وهم وهو، رجل واحد من أسلم لا تكاد تثبت له صحبة.
          (وَ) عن (مُحَمَّدِ ابْنِ جَحْشٍ) بتقديم الجيم على الحاء؛ هو محمد بن عبد الله بن جحش، نسب إلى جده لشهرته به، ولأبيه عبد الله صحبة، / وزينب بنت جحش، أم المؤمنين عمته، وكان محمد صغيراً في عهد رسول الله صلعم ، وقد حفظ عنه، وذلك بيِّن في حديثه هذا كما سيجيء.
          (عَنِ النَّبِيِّ صلعم : الْفَخِذُ عَوْرَةٌ) وهذا تعليق بصيغة التمريض ذكرهِ عن ثلاثة أنفس: الأول عبد الله بن عباس ☻ ، وقد وصله الترمذي أخرجه عن واصل بن عبد الأعلى، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل ابن يونس، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس ☻ ، عن النبي صلعم قال: ((الفخذ عورة)). وقال: هذا حديث حسن غريب.
          وأبو يحيى القتات: ضعيف وهو مشهور بكنيته، واختلف في اسمه قيل: مسلم، وقيل: زاذان، وقيل: عبد الرحمن بن دينار، وقيل: يزيد، وقيل: زبان، وقيل: عمران، وقيل: دينار وهو المشهور.
          والقَتَّات: _بفتح القاف وتشديد المثناة الفوقية_ لقبه.
          وأما حديث جَرْهَد: فقد وصله مالك في ((الموطأ)) وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، وأخرجه مالك عن أبي النضر، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جَرْهَد، عن أبيه، عن جده قال: وكان جدي من أهل الصفة قال: جلس رسول الله صلعم عندي وفخذي مكشوفة فقال: ((خَمِّر عليك، أما علمت، أنَّ الفَخِذَ عورةٌ)).
          قال الدارقطني: روى هذا الحديث أصحاب ((الموطأ)): ابن بكير، وابن وهب، ومعن، وعبد الله بن يوسف، وهو عند القعنبي خارج ((الموطأ)) في الزيادات من مالك، ولم يذكره ابن القاسم في ((الموطأ)).
          وقد رواه ابن حبان في ((صحيحه)) من حديث أبي عاصم، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن زرعة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر قال:حَدَّثَنَا سفيان، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن زرعة بن مسلم بن جَرْهَد الأسلمي، عن جده جرهد قال: مر النبيُّ صلعم بجرهد في المسجد وقد انكشف فخذه وقال: ((إن الفخذ عورة)) هذا حديث حسن ما أرى إسناده بمتصل.
          وقال:حَدَّثَنَا الحسن بن علي قال: حَدَّثَنَا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن أبي الزناد، قال: أخبرني ابن جَرْهَد، عن أبيه: أنَّ النبي صلعم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال النبي صلعم : ((غط فخذك؛ فإنَّها من العورة)) هذا حديث حسن.
          ولَمَّا ذكَره ابن القطان أعلَّه بالاضطراب وبجهالة حال الراوي / عن جَرْهَد، ولَمَّـا ذكره البخاري في ((تاريخه)) من حديث ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن زرعة بن عبد الرحمن، عن جده: جواب [لما] قال: ورواه صدقة، عن ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن آل جَرْهَد، وعن سالم أبي النضر، عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن جَرْهَد قال البخاري: ولا يصح.
          وقال ابن الحذاء: وإنما لم يخرجه البخاري في ((مصنفه)) لهذا الاختلاف.
          وأما حديث محمد بن جحش فرواه الطبراني عن يحيى بن أيوب، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه قال: كنت أصلي مع النبي صلعم فمر عليَّ معمر وهو جالس عند داره بالسوق وفخذاه مكشوفتان فقال: ((يا معمر غط فخذيك فإنَّ الفخذين عورة)).
          قال ابن حزم: راويه أبو كثير مجهول، وقد رواه أحمد في ((مسنده))، والحاكم في ((مستدركه)) من طريق إسماعيل بن جعد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه قال: مر رسول الله صلعم وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال: ((يا معمر غط عليك فخذيك فإن الفخذين عورة))، وذكره البخاري في ((تاريخه)) وأشار إلى اختلاف فيه.
          قال الحافظ العسقلاني: رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير، وقد روى عنه جماعة، لكن لم أجد فيه تصريحاً بتعديل، ومعمر المذكور في الحديث هو معمر بن عبد الله بن فضلة القرشي العدوي، وقد أخرج ابن قانع هذا الحديث من طريقه أيضاً.
          قال الحافظ العسقلاني: ووقع لي حديث محمد بن جحش بالمحمدين من ابتدائه إلى انتهائه، وقد أمليته في «الأربعين المتباينة».
          (وَقَالَ) وفي رواية: <قال> بلا واو (أَنَس) ابن مالك ☺ (حَسَرَ) بفتح حروفها المهملات؛ أي: كشف (النَّبِيُّ صلعم عَنْ فَخِذِهِ) وهذا أيضاً تعليق، وقد وصله المؤلف في هذا الباب كما يأتي قريباً وسيتكلم فيه مستقصىً [خ¦371].
          (وَحَدِيثُ أَنَسٍ) ☺، وفي رواية: <قال أبو عبد الله> أي: المؤلف، وحديث أنس ☺ (أَسْنَدُ) أي: أقوى وأحسن إسناداً من الحديث السابق المروي عن ابن عباس، وجرهد، ومحمد بن جحش.
          (وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ) أي: ومن معه (أَحْوَطُ) أي: أكثر احتياطاً في أمر الدين، وأقرب إلى التقوى للخروج عن الاختلاف، وهو معنى قوله: / (حَتَّى نُخْرَجَ) على صيغة جماعة المتكلم، وفي رواية: <حتى يُخرَج> _بضم المثناة التحتية وفتح الراء_ (مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ) أي: العلماء لما وقع الخلاف في الفخذ هل هي عورة أو لا؟.
          فذهب قوم إلى أنَّها ليست بعورة، واحتجوا بحديث أنس، وذهب آخرون إلى أنَّها عروة، واحتجوا بحديث جَرْهَد وبما روي من مثله في هذا الباب، كأنَّ قائلاً قال: إنَّ الأصل أنَّه إذا روي حديثان في حكمٍ أحدُهُما أصح من الآخر فالعمل بالأصح فهاهنا حديث أنس أصح من حديث جرهد، فكيف وقع الخلاف؟ فأجاب المؤلف ☼ عن هذا بقوله: وحديث أنس أسند...إلى آخره.
          تقديره أن يقال: نعم؛ حديث أنس أقوى وأحسن من حديث جَرْهَد إلاَّ أنَّ العمل بحديث جَرْهَد؛ لأنَّه أحوط للخروج عن اختلاف العلماء، ولذلك لم يقل المؤلف ☼ : باب الفخذ عورة، ولا باب: الفخذ ليس بعورة، بل قال: باب ما يذكر في الفخذ، أمَّا القوم الذين ذهبوا إلى أنَّ الفخذ ليس بعورة فَهُوْ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وإسماعيل بن علية، ومحمد بن جرير الطبري، وداود الطاهري، وأحمد في رواية.
          ويروى ذلك أيضاً عن الإصطخري من أصحاب الشافعي، حكاه الرافعي عنه.
          وقال ابن حزم في ((المحلى)): والعورة المفروض سترها عن الناظر، وفي الصلاة من الرجال: الذكرُ وحلقة الدبر فقط، وليس الفخذ عورة، وهي من المرأة جميع جسمها حاشا الوجه والكفين فقط، والحرُّو العبد، والحرَّة والأمة سواء في ذلك، ولا فرق. ثم قال بعد أن روى حديث أنس الذي أخرجه البخاري [خ¦371]: أنَّ رسول الله صلعم غزا خيبر، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إنِّي أنظر إلى بياض فخذ النبي صلعم ، فصح أنَّ الفخذ من الرجل ليس بعورة، ولو كان عورة لما كشفها الله من رسوله المطهر المعصوم من الناس في حال النبوة والرسالة، ولا أراها أنسَ بنَ مالك ولا غيرَه، وهو تعالى عصمه من كشف العورة في حال الصبى، وقبل النبوة فكيف بعدها؟.
          وأمَّا الآخرون الذين هم خالفوهم وقالوا: الفخذ عورة فهم جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم منهم: أبو حنيفة ومالك في أصح أقواله، والشافعي وأحمد في أصح روايتيه، وأبو يوسف ومحمد وزفر بن الهذيل حتى قال أصحابنا: إنَّ صلاة مكشوف الفخذ فاسدة.
          وقال الأوزاعي: الفخذ / عورة إلَّا في الحمام.
          وقال ابن بطال: أجمعوا على أنَّ من صلى مكشوف العورة (1) لا إعادة عليه.
          وقال محمود العيني: مراده إجماع أهل مذهبه وإلا فدعوى الإجماع غير صحيحة.
          وفي ((التوضيح)): حاصل ما في عورة الرجل عندنا خمسة أوجه:
          أصحها: وهو المنصوص: أنَّها ما بين السرة والركبة وهما ليسا بعورة، وهو صحيح مذهب أحمد ابن حنبل، وقال به زفر ومالك.
          وثانيها: أنَّهما عورة كالرواية عن أبي حنيفة.
          وثالثها: السرة من العورة.
          ورابعها: عكسه.
          وخامسها: وهو للإصطخري أنَّها القبل والدبر وهو شاذ. انتهى.
          وفي الفربري: السرة من العورة عند أبي حنيفة، وفي ((المفيد)): الركبة مركبة من عظم الفخذ والساق، فاجتمع الحظر والإباحة فغلب الحظر احتياطاً.
          وأما الجواب عن حديث أنس ☺ فهو: أنهَّ محمول على غير اختيار الرسول ◙ فيه بسبب ازدحام الناس يدل عليه مس ركبة أنس ☺ فخذه صلعم كما سيجيء [خ¦371].
          وقال القرطبي: ويُرَجِّح حديث جَرْهَد أنَّ تلك الأحاديث المعارضة له قضايا معينة في أوقات وأحوال مخصوصة يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق لحديث جرهد، فإنَّه أعطى حكماً كلياً فكان أولى، وبيان ذلك: أنَّ تلك الوقائع تحتمل خصوصية النبي صلعم بذلك، أو البقاء على الإباحة الأصلية، أو كان لم يحكم عليه في ذلك الوقت بشيء، ثم بعد ذلك حكم عليه بأنه عورة.
          فإن قيل: روى الطحاوي وقال: حَدَّثَنَا ابن مرزوق، قال: حَدَّثَنَا أبو عاصم، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو خالد، عن عبد الله بن سعيد المديني قال: حدثتني حفصة بنت عمر ☻ قالت: كان رسول الله صلعم ذات يوم قد وضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر ☺ فاستأذن فأذن له النبي صلعم على هيئته، ثم جاء عمر ☺ مثل هذه الصفة، ثم جاء أناس من أصحابه والنبي صلعم على هيئته، ثم جاء عثمان ☺ فاستأذن عليه فأذن له، ثم أخذ رسول الله صلعم ثوبه فتجلَّله فتحدثوا ثم خرجوا فقلت: يا رسول الله جاء أبو بكر وعمر وعلي وأناس من أصحابك وأنت على هيئتك، فلما جاء عثمان ☺ تجلَّلْتَ ثوبك؟ فقال: ((أولا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة))، قالت: وسمعت أبي وغيره يحدثون نحواً من هذا، وأخرجه أحمد والطبراني أيضاً.
          فالجواب: / أنَّ هذا الحديث على هذا الوجه غريب؛ لأنَّ جماعة من أهل البيت رووه على غير هذا الوجه المذكور، وليس فيه كشف الفخذين، فحينئذٍ لا تثبت به الحجة، كذا ذكر الطحاوي ☼ .
          وقال أبو عمر: الحديث الذي رووه عن حفصة فيه اضطراب.
          وقال البيهقي: قال الشافعي: والذي رُوِي في قصة عثمان ☺ في كشف الفخذين مشكوك فيه.
          وقال الطبري في ((تهذيب الآثار)): الأخبارُ التي رويت عن النبي صلعم أنَّه دخل عليه أبو بكر وعمر وهو كاشف فخذه واهيةُ الأسانيد لا يثبت بمثلها حجة في الدين، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنهي عن كشفها أخبار صحاح.
          وقول الطحاوي: لأنَّ جماعة من أهل البيت رووه على غير هذا الوجه: مرادهُ به حديث عائشة وعثمان ☻ ، أخرجه مسلم حَدَّثَنَا عبد الملك بن شعيب ابن الليث بن سعد قال:حَدَّثَنَا أبي، عن جدي، قال: أنا عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن يحيى بن سعيد بن العاص: أنَّ سعيد بن العاص أخبره: أنَّ عائشة ♦ زوج النبي صلعم وعثمان ☺ حدثاه: أنَّ أبا بكر ☺ استأذن على رسول الله صلعم وهو مضطجع على فراشه لابسٌ مِرْط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، ثم استأذن عمر ☺، فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، قال عثمان ☺: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: ((اجمعي عليك ثيابك)) فقضيت إليه حاجتي، ثم انصرفت، فقالت عائشة ♦: يا رسول الله ما لي لم أرك فَزِعْتَ لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان، قال رسول الله صلعم : ((إن عثمان رجل حَيِيٌّ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغَ إليَّ حاجته)).
          وأخرجه الطحاوي أيضاً وقال: فهذا أصل هذا الحديث ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلاً.
          فإن قيل: قد روى مسلم أيضاً في ((صحيحه))، وأبو يعلى في ((مسنده))، والبيهقي في ((سننه)) هذا الحديث، وفيه ذكر كشف الفخذين.
          فقال مسلم: حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وقتيبة، وابن حجر قال يحيى بن يحيى: أنا، وقال الآخرون:حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء وسليمان ابني يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن: أن عائشة ♦ قالت: كان رسول الله صلعم مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر / ☺ فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر ☺ فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان ☺ فجلس رسول الله صلعم وسوى ثيابه، قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد، فدخل فتحدث فلما خرج قالت عائشة ♦: دخل أبو بكر فلم تهتش له، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، فلما دخل عثمان فجلست وسويت ثيابكَ؟ فقال: ((ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟)).
          فالجواب عنه: أنَّه لمَّا أخرجه البيهقي قال: لا حجة فيه، وقال الشافعي: إنَّ هذا مشكوك فيه؛ لأنَّ الراوي قال: فخذيه أو ساقيه، فدل ذلك على ما قاله الطحاوي: إنَّ أصل الحديث ليس فيه ذكر كشف الفخذين.
          وقال أبو عمر: هذا حديث مضطرب.
          (وَقَالَ أَبُو مُوسَى) هو الأشعري واسمه عبد الله بن قيس (غَطَّى النَّبيُّ صلعم رُكْبَتَيْهِ) وفي رواية: <ركبته> بالإفراد (لَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ) أدباً معه واستحياء كما بينه بقوله: ((ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة)) وفي رواية: ((ملائكة السماء))، وقد كان صلعم يفعل مع كل واحد من أصحابه ما هو الغالب عليه من أخلاقه وهو مشهور فيه، فلما كان الغالب على عثمان ☺ الحياء عامله بذلك، وذكر أنَّ المَلَك يستحيي منه، وجازاه جزاءً وفاقاً.
          ووجه مطابقة هذا للترجمة: أنَّ الركبة إذا كانت عورة فالفخذ بالطريق الأولى؛ لأنَّه أقرب إلى الفرج الذي هو عورة إجماعاً، ثم إنَّ هذا طرف من حديث ذكره البخاري في مناقب عثمان ☺ من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عنه فذكر الحديث [خ¦3695].
          وفيه: أنَّ النبي صلعم كان قاعداً في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته، فلما دخل عثمان ☺ غطاها، وزعم الداودي الشارح: أنَّ هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وهم، وأنَّها ليست من هذا الحديث فأدخل حديثاً في حديث، وأشار إلى ما رواه مسلم من حديث عائشة المذكور سابقاً.
          وقال محمود العيني تبعاً للحافظ العسقلاني ما حاصله: إنَّه قد ذكر أن رواية أبي موسى من طريق عاصم الأحول ذكره البخاري في المناقب [خ¦3695]، وقد وقع في حديث عائشة ♦ كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه.
          وعند أحمد بلفظ: كاشفاً عن فخذه، من غير شك، وعنده من حديث حفصة مثله، وقد ظهر من ذلك أنَّ البخاري _ ☼ _ / لم يدخل حديثاً في حديث، بل هما قصتان متغايرتان في إحداهما كشف الركبة، وفي الأخرى كشف الفخذ، ورواية أبي موسى التي علقها البخاري ☼ في كشف الركبة، ورواية عائشة في كشف الفخذ، ووافقتها حفصة ولم يذكر البخاري روايتهما، والله أعلم.
          (وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) الأنصاري البخاري كاتب الوحي لرسول الله صلعم ، وجامع القرآن في عهد أبي بكر ☺ تعلم كتاب اليهود في نحو نصف شهر، والسريانية في سبعة عشر يوماً بأمره صلعم ، وكان من علماء الصحابة، قال صلعم : ((أفرضكم زيد)) رواه أحمد بإسناد صحيح، وتوفي سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وأربعين.
          وقال أبو هريرة ☺ حين توفي: مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خَلَفاً.
          (أَنْزَلَ اللَّهُ) تعالى (عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم وَفَخِذُهُ) صلعم ، وفي رواية: <فخذه> بلا واو (عَلَى فَخِذِي) والجملة حالية (فَثَقُلَتْ) بضم القاف؛ أي: فخذه صلعم (عَلَيَّ) بتشديد الياء.
          (حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ) بفتح المثناة الفوقية وضم الراء؛ أي: تكسر فخذه صلعم ، من الرضِّ وهو الدقُّ، وكل شيء كسرتَه فقد رضضتَه (فَخِذِي) مفعول «تَرُض»، ويجوز أن يكون الفعل على البناء للمفعول.
          ثم هذا أيضاً تعليق وصله المؤلف في تفسير سورة النساء [خ¦4592] في نزول قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] الآية قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله: حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب: حدثني سهل بن سعد الساعدي الحديثَ، وفيه: ((فأنزل الله على رسوله وفخذه على فخذي...إلى آخره)).
          وأخرجه أيضاً في الجهاد [خ¦2832] عن عبد العزيز بن عبد الله، وأخرجه الترمذي في «التفسير» عن عبد بن حميد وقال: حسن صحيح، وأخرجه النسائي في «الجهاد» عن محمد بن يحيى، وعن محمد بن عبد الله.
          وإيراد المؤلف ☼ هذا الحديث هاهنا ليس له وجه؛ لأنَّه لا يدل على أنَّ الفخذ عورة، ولا يدل أيضاً على أنَّها ليست بعورة، نعم؛ لو كان فيه التصريح بعدم الحائل لدل على أنَّه ليس بعورة؛ إذ لو كانت عورة لما مَكَّن صلعم فخذه على فخذ زيد لكنه ليس فيه ذلك التصريح.
          قال الحافظ العسقلاني: إنَّ الظاهر أنَّ المصنف / تمسك بالأصل. انتهى. يريد به أنَّ الأصل عدم الحائل، والله أعلم.


[1] في هامش الأصل: لعل السحنة: مكشوف الفخذ، فافهم. منه.