نجاح القاري لصحيح البخاري

باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء

          ░1▒ (باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلَاة) وفي رواية: <كيفَ فَرِضتِ الصَّلواتُ> بالجمع (فِي) ليلة (الإِسْرَاءِ) وقد اختلفوا في المعراج والإسراء هل كانا في ليلة واحدة، أو في ليلتين، وهل كانا جميعاً في اليقظة، أو في المنام، أو أحدهما في اليقظة والآخر في المنام، فقيل: إنَّ الإسراء كان مرتين مرةً بروحه مناماً، ومرةً بروحه وبدنه يقظةً، ومنهم من يدعي تعدد الإسراء في اليقظة أيضاً حتى قال: إنَّه أربع إسراآت.
          وزعم بعضهم: أنَّ بعضها كان بالمدينة.
          وجعل أبو شامة ثلاث إسراآت: مرةً من مكة إلى بيت المقدس فقط على البراق، ومرةً من مكة إلى السموات على البراق أيضاً، ومرةً من مكة إلى بيت المقدس، ثم إلى السموات، وجمهور السلف والخلف على أنَّ الإسراء كان ببدنه وروحه، وكونه من مكة إلى بيت المقدس ثبت بنص القرآن وكان في السنة الثانية عشر من النبوة.
          وفي رواية البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن الزهري: أنَّه أُسرِيَ به قبل خروجه إلى المدينة بسنة.
          وعن السُّدي: قبل مهاجره بستة عشر شهراً، فعلى قوله يكون الإسراء في ذي القعدة، وعلى قول الزهري يكون في ربيع الأول، وقيل: كان الإسراء ليلة السابع والعشرين من شهر رجب.
          وقد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في ((سيرته)) وهو المشهور الآن حتى أعلم به في الجوامع والمساجد بإسراج القناديل في المنارات، ومنهم من يزعم أنَّه كان في أول ليلة جمعة من شهر رجب وهي ليلة الرغائب التي أحدثت فيها الصلاة المشهورة ولا أصلَ لها، ثم قيل: كان قبل موت أبي طالب.
          وذكر ابن الجوزي: أنَّه كان بعد موته في سنة ثنتي عشرة من النبوة، ثم قيل: كان ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في السنة الثالثة عشر من النبوة، وقيل: كان بعد مبعثه بخمس سنين، قيل: وهو الأشبه؛ إذ لم يختلفوا أن خديجة ♦ صلت معه بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف أنَّها توفيت قبل الهجرة إما بثلاث سنين، وإما بخمس سنين، والله أعلم.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ، هو عبد الله حبر هذه الأمة، وترجمان القرآن، وهذا تعليق من البخاري ☼ ، وقطعة من حديث طويل ذكره في أوائل الكتاب مسنداً [خ¦7].
          (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو سُفْيَانَ) صخر بن حرب والد معاوية ☺، أسلم / ليلة الفتح ومات بالمدينة سنة إحدى وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وصلَّى عليه عثمان بن عفان ☺، (فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ) بكسر الهاء وفتح الراء على المشهور، وحكى جماعة إسكان الراء وكسر القاف كخِنْدِف، منهم الجوهري، وهو اسم أعجمي تكلمت به العرب غير منصرف للعلمية والعجمة، ملك إحدى وثلاثين سنة، ففي ملكه مات النبي صلعم ولقبه قيصر كما أن من ملك الفرس يقال له: كسرى، ومن ملك الترك يقال له: خاقان.
          (فَقَالَ) أي: أبو سفيان (يَأْمُرُنَا يَعْنِي) بالآمر (النَّبِيَّ صلعم بِالصَّلاَةِ) المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم (وَالصِّدْقِ) أي: القول المطابق للواقع (وَالْعَفَافِ) بفتح المهملة؛ أي: الانكفاف عن المحرمات وخوارق المروءات، وقد أخرجه المؤلف في أربعة عشر موضعاً [خ¦7] [خ¦51] [خ¦6/7-510] [خ¦8/1-583] [خ¦2681] [خ¦2804] [خ¦2941] [خ¦2978] [خ¦63174] [خ¦4553] [خ¦5980] [خ¦6260] [خ¦7196] [خ¦7541]، وأخرجه أصحاب السنن أيضاً إلا ابن ماجه.
          ومناسبة ذكر هذا هاهنا من حيث أنَّ معرفة كيفية الشيء تستدعي معرفة ذاته قبلها، فأشار بهذا أوَّلاً إلى ذات الصلاة من حيث الفرضية، ثم أشار إلى كيفية فرضيتها بذكره حديث الإسراء، فصار ذكر قول ابن عباس ☻ توطئة وتمهيداً لبيان كيفيتها، فبهذا الوجه دخل تحت الترجمة، والله أعلم.
          وأما ما قاله الحافظ العسقلاني من أنَّ مناسبته لهذه الترجمة من حيث إنَّ فيه إشارةً إلى أنَّ الصلاة فرضت بمكة قبل الهجرة؛ لأنَّ أبا سفيان لم يلقَ النبيَّ صلعم بعد الهجرة إلى الوقت الذي اجتمع فيه بهرقل لقاءً يتهيأ له معه أن يكون آمراً له بطريق الحقيقة، والإسراء كان قبل الهجرة بلا خلاف، وبيان الوقت وإن لم يكن من الكيفية حقيقة، لكنه من جملة مقدماتها كما وقع نظير ذلك في أول الكتاب [خ¦1] في قوله: كيف كان بدء الوحي، وساق فيه ما يتعلق بالمتعلق بذلك فظهرت المناسبة: فَبُعْدُه لا يخفى.