نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق

          483- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) ابن علي بن عطاء بن مُقَدَّم _على صيغة اسم المفعول_ (الْمُقَدَّمِيُّ) نسبة إلى أحد أجداده البصري، توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين.
          (قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة على صيغة التصغير (ابْنُ سُلَيْمَانَ) النُّميري _بضم النون_ (قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ) بضم العين المهملة وسكون القاف.
          (قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمر بن الخطاب ♥ (يَتَحَرَّى) على صيغة المضارع من التحري؛ أي: يقصد ويختار ويجتهد (أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ) عبد الله بن عمر ☻ (كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ) أي: وأن أباه عبد الله. (رَأَى النَّبِيَّ صلعم ) حال كونه (يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ) وسقط في رواية الأَصيلي قوله: <يصلي> وهذا مرسل من سالم؛ إذ ما اتصل سنده.
          قال موسى بن عقبة: (وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ) مولى ابن عمر ☻ وهو عطف على قوله: رأيت (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) ☻ (أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ).
          قال موسى بن عقبة أيضاً: (وَسَأَلْتُ سَالِماً) أي: ابن عبد الله بن عمر ♥ عن ذلك (وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ وَافَقَ نَافِعاً فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلاَّ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ) بفتح الشين المعجمة والراء وبالفاء، والرَّوْحاء: بفتح الراء وسكون الواو ممدوداً، وهو اسم موضع مرتفع من الروحاء.
          قال أبو عبيد البكري: وهي قرية جامعة لمزينة على ليلتين من المدينة بينهما أحد وأربعون ميلاً، وقال كُثَيِّرُ عَزَّة: سميت الروحاء؛ لكثرة أرواحها، وبالروحاء بناء يزعمون أنه قبر مضر بن نزار، وقال أبو عبيد: والنسبة إليها روحاني على غير قياس، وقد قيل: روحاوي على القياس.
          وفي ((كتاب الجبال)) للزمخشري: بين المدينة والروحاء أربعة برد إلا ثلاثة أميال.
          وفي ((صحيح / مسلم)) في باب الأذان: ستة وثلاثون ميلاً، وفي كتاب ابن أبي شيبة: على ثلاثين ميلاً.
          وقال ابن قُرْقول: هي من عمل الفرع على نحو من أربعين ميلاً من المدينة.
          وقال أبو عبيد: روى نافع عن مولاه أن بهذا الموضع المسجدُ الصغير دون الموضع الذي بالشرف، وقال: وروى أصحاب الزهري عنه عن حنظلة بن علي عن أبي هريرة ☺ سمعت رسول الله صلعم يقول: ((والذي نفسي بيده ليُهِلَّن ابن مريم صلى الله عليهما وسلم بفَجِّ الروحاء حاجَّاً أو مُعتمراً))، وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة مثله.
          وروى غير واحد أن رسول الله صلعم قال وقد وصل المسجد الذي ببطن الروحاء عند عِرْقِ الظّبْيَة: ((هذا واد من أودية الجنة، وصلى في هذا الوادي قبلي سبعون نبياً ╫، وقد مرَّ به موسى بن عمران ◙ حاجاً أو معتمراً في سبعين ألفاً من بني إسرائيل)).
          فإن قيل: قد جاء عن عمر بن الخطاب ☺ خلاف ما فعل ابنه، روى المعرور بن سُويد. كان عمر ☺ في سفر فصلى الغَدَاة، ثم أتى على مكان فجَعَل الناس يأتونه ويقولون: صلى فيه النبي صلعم فقال عمر ☺: إنما أهلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبِيعاً، فمن عَرَضَت له الصلاة فليُصلِّ وإلا فليَمْض.
          فالجواب: أن عمر ☺ إنما خشي أن يلتزم الناس الصلاة في تلك المواضع حتى يشكل على من يأتي بعدهم فيرى ذلك واجباً.
          وكذا ينبغي للإمام إذا رأى الناس يلتزمون النوافل التزاماً شديداً أن يترخص فيها في بعض المرات ويتركها ليعلم بفعله ذلك أنها غير واجبة، كما فعل ابن عباس ☻ في ترك الأضحية، أو هو محمول على أنه كَرِه زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة، وعبد الله بن عمر كان مأموناً من ذلك وكان يتبرك بتلك الأماكن، وتشدُّده في الاتباع مشهور.
          وقد تقدَّم حديث عِتْبَان وسؤاله النبي صلعم أن يصلي في بيته ليتخذه مُصلَّى [خ¦425]، وإجابة النبي صلعم إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين.