نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الصلاة في الثوب الأحمر

          ░17▒ (باب) حكم (الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الأَحْمَرِ) يعني: أنَّها تجوز، وقال الحافظ العسقلاني يشير إلى الجواز، والخلاف في ذلك مع الحنفية فإنَّهم قالوا: يكره وتأوَّلوا حديث الباب بأنَّها كانت حلَّةً من برود فيها خطوط حمر.
          وتعقبه محمود العيني: بأنه لا خلاف للحنفية في جواز ذلك، ولو عرف هذا القائل مذهب الحنفية لما قال ذلك، ولم يكتف بهذا حتى قال: وتأولوا حديث الباب بأنَّها كانت حلَّةً من برود فيها خطوط حمر، ولا حاجة إلى هذا التأويل؛ لأنَّهم لم يقولوا بحرمة لبس الأحمر حتى يأولوا بهذا.
          وإنَّما قالوا: يكره بحديث آخر وهو نهيه صلعم عن لبس المعصفر، والعملُ بالحديثين أولى من العمل بأحدهما وإهمال الآخر، فاحتجوا بالأول على الجواز، وبالثاني على الكراهة. انتهى. فليتأمل(1) .
          وقال الحافظ العسقلاني أيضا:ً ومن أدلتهم ما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال: مرَّ بالنبي صلعم رجلٌ وعليه ثوبان أحمران فسلم فلم يرد عليه، وهو حديث ضعيف الإسناد وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنَّه قال: حديث حسن.
          وعلى تقدير أن يكون مما يحتج به / فقد عارضه ما هو أقوى منه، ويحتمل أن يكون تركُ الرد عليه بسبب آخر غير لبس الأحمر، وحمله البيهقي على ما صبغ بعد النسج، وأما ما صبغ غزله ثم نسج فلا كراهية فيه.
          وقال ابن التين: زعم بعضهم أنَّ لبس النبي صلعم لتلك الحلة كان من أجل الغزو، وفيه نظر؛ لأنَّه كان عقيب حجة الوداع ولم يكن له إذ ذاك غزو. انتهى.
          وما يقوله محمود العيني من أن عرق عصبيته قد تحرك فحمله على أن سكت عن قول الترمذي عقيب إخراجه هذا الحديث هذا حديث حسن فهو غدر منه عليه، وإذ هو لم يسكت عنه كما ترى فتأمل.


[1] في هامش الأصل: وجه التأمل أن مراد الحافظ العسقلاني بالجواز هو الجواز بلا كراهة حيث قابله بالكراهة فقال: فإنهم قالوا: يكره، والجواز مطلقاً لا ينافي الكراهة، فمقتضى الكراهة أن مراده هو الجواز بلا كراهة دون الجواز مطلقاً. منه.