نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}

          ░30▒ (باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا}) بكسر الخاء على صيغة؛ أي: وقلنا لهم: واتخذوا، وقرأ نافع وابن عامر: بفتح الخاء عطفاً على قوله تعالى: {جَعَلْنَا}.
          ({مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}) أي: موضع صلاة تصلون فيه، أو موضع دعاء تدعون فيه، من الصلاة بمعنى الدعاء، والأول أرجح، وقال الحسن: مصلىً؛ أي: قبلة.
          وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام، فروي عن مجاهد، عن ابن عباس ☻ أنَّه قال: مقام إبراهيم الحرم كلُّه.
          وقال السدي: المقام: الحَجَر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم، حين غسلت رأسه، حكاه القرطبي، وضعَّفه، ورجَّحه غيره.
          وحكاه الرازي في ((تفسيره)) عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس.
          وقد روى الأزرقي في ((أخبار مكة)) بأسانيد صحيحة: أنَّ المقام كان في عهد النبي صلعم وأبي بكر وعمر ☻ في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر ☺، فاحتمله، حتى وجد بأسفل مكة، فأتي به، فربط إلى أستار الكعبة، حتى قدم عمر ☺، فاستثبت في أمره، حتى تحقَّق موضعه الأول، فأعاده إليه وبنى حوله، فاستقر ثمة إلى الآن.
          ثم إنَّ الفرض استقبال البيت لا المقام، بدليل أنَّه صلعم صلى داخل الكعبة، فلو تعين استقبال المقام، لما صحت هناك؛ فإنَّ المقام إنما يكون قبلة، إذا جعله المصلي بينه وبين القبلة، والأمر في {وَاتَّخِذُوا} للاستحباب لا للوجوب؛ لأنَّ ركعتي الطواف _التي هي واجبة عندنا، وسنة عند الشافعي_ كما تصلى عند المقام تصلى أيضاً حيث تَيَسَّر للطَّائِفِ.
          وذهب بعضهم إلى وجوب تلك الصلاة خلف المقام، نظراً إلى ظاهر الحديث، كما سيأتي.