نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الصلاة في مسجد السوق

          ░87▒ (بابُ) جواز (الصَّلاةِ في مَسْجدِ السُّوقِ) ويروى: <في مساجد السوق> وهي رواية الأكثرين.
          قال الكرماني: المراد بالمساجد مواضع إيقاع الصلاة لا الأبنية الموضوعة للصلاة من المساجد فكأنه قال: باب الصلاة في مواضع الأسواق.
          وقال ابن بطال: إن الأسواق شر البقاع والمساجد خير البقاع، أخرجه البزار وغيره فخَشِي البخاري أن يتوهم من رأى ذلك الحديث أنه لا تجوز الصلاة في الأسواق استدلالاً به فجاء بحديث أبي هريرة ☺ إذ فيه إجازة الصلاة في السوق، وإذا جازت الصلاة في السوق فُرادى فَلأن يُتخذ فيه مسجد للجماعة أولى.
          وقال الحافظ العسقلاني: موقع الترجمة الإشارة إلى أن الحديث الوارد في أن الأسواق شر البقاع وأن المساجد خير البقاع لا يصح إسناده، ولو صح لم يمنع وضع المسجد في السوق لأن بقعة المسجد حينئذ تكون بقعة خير.
          وقال محمود العيني: كل واحد منهم قد تكلف، أما الكرماني فإنه ارتكب المجاز من غير ضرورة.
          وأما ابن بطال: فإنه من أين تحقق خشية البخاري مما ذكره حتى وضع هذا الباب.
          وأما القائل الثالث: فإنه أبعد جداً فإنه من أين علم أن البخاري أشار به إلى ما ذكره.
          والأوجه أن يقال: إن البخاري لما أراد أن يورد حديث أبي هريرة الذي فيه الإشارة إلى أن صلاة المصلي لا تخلو إما أن تكون في المسجد الذي بني لها أو في بيته الذي هو منزله أو السوق وَضَعَ باباً فيه جواز الصلاة في المسجد الذي في السوق، وإنما خص هذا بالذكر من بين الثلاثة؛ لأنه لما كان السوق في موضع اللغط، واشتغال الناس بالبيع والشراء والأيمان الكثيرة بالحق والباطل ربما كان يتوهم عدم جواز الصلاة فيه من هذه الجهات فخصه بالذكر.
          (وصلَّى ابنُ عَوْنٍ) بفتح المهملة وسكون الواو وبالنون، هو عبد الله بن عون، وقد تقدم في باب قول النبي صلعم : ((رب مبلغ)) [خ¦67].
          قال صاحب ((التلويح)): كذا في نسخة سماعنا؛ يعني أنه ابن عون.
          وقال ابن المُنَيِّر: ابن عمر، وقالوا: إنه تصحيف، والصحيح أنه ابن عون، وكذا وقع في الأصول.
          (في مَسْجدٍ في دَارٍ يُغْلَقُ عَلِيهِم البَابُ) / قال محمود العيني: ليس في الترجمة ما يطابقه هذا الأثر.
          وقال الكرماني: ولعل غرض البخاري منه الرد على الحنفية حيث قالوا بامتناع اتخاذ المساجد في الدار المحجوبة عن الناس، ونقله بعضهم في شرحه معجباً به.
          وقد جازف الكرماني في هذا؛ لأن الحنفية لم يقولوا هكذا بل المذهب فيه أن من اتخذ مسجداً في داره وأفرز طريقه يجوز ذلك ويصير مسجداً، فإذا أغلق بابه وصلى فيه يجوز مع الكراهة، وكذا الحكم في سائر المساجد.