إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ليس كما تقولون: {لم يلبسوا إيمانهم بظلم} بشرك

          3360- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) النَّخعيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفصٌ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (إِبْرَاهِيمُ) النَّخعيُّ (عَنْ عَلْقَمَةَ) بن الأسود (عَنْ عَبْدِ اللهِ) يعني: ابن مسعودٍ ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}[الأنعام:82]) معطوفٌ على الصِّلة فلا محلَّ لها، أو الواو للحال، والجملة بعدها في محلِّ نصبٍ على الحال، أي: آمنوا غير مُلبِسين إيمانهم بظلم، وهو كقوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}[مريم:20] (قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟) حملوه على العموم لأنَّ قوله: {بِظُلْمٍ} نكرةٌ في سياق النَّفي، فبيَّن لهم الشَّارع صلعم أنَّ الظَّاهر غير / مرادٍ، بل هو من العامِّ الَّذي أُريد به الخاصُّ حيث (قَالَ) ╕ : (لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ) بل المراد: ({لَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ }[الأنعام:82]) أي: (بِشِرْكٍ) أي: لم ينافقوا (أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ) أنعم أو مشكم: ({يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13]) لأنَّ التَّسوية بين من يستحقُّ العبادة وبين(1) من لا يستحقُّها ظلمٌ عظيمٌ، لأنَّه وضع العبادة في غير موضعها، وسقط قوله: «{يَا بُنَيَّ}» لأبي ذرٍّ.
          فإن قلت: ما وجه مناسبة هذا الحديث لِمَا ترجم به؟ فالجواب أنَّ قوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ} من كلام إبراهيمِ؛ جوابًا عن السُّؤال في قوله: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ}[الأنعام:81] أو من كلام قومه وأنَّهم أجابوه بما هو حجَّةٌ عليهم، وحينئذٍ فالموصول خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هم الَّذين آمنوا، فظهرت المناسبة بين الحديث والتَّرجمة، ويكفي أدنى إشارةٍ، كما هي عادة المؤلِّف ☼ في دقائق التَّراجم، وفي حديث عليٍّ عند الحاكم: أنَّه قرأ: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} وقال: نزلت هذه الآية في إبراهيم وأصحابه، ليس في هذه الأمَّة.
          وحديث الباب سبق(2) في «الإيمان» في «باب ظلمٌ دون ظلم» [خ¦32] وأخرجه أيضًا(3) في «التَّفسير» [خ¦4629].


[1] «بين»: مثبتٌ من (ص) و(م).
[2] في (م): «السَّابق».
[3] «أيضًا»: ليس في (د).