إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله}

          ░41▒ (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى) وسقط لفظ «باب» لأبي ذرٍّ، فـ «قولُ الله» رفعٌ على ما لا يخفى‼: ({وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}) وهو أعجميٌّ مُنِع الصَّرف للتَّعريف والعجمة الشَّخصيَّة، أو عربيٌّ مشتقٌّ من اللُّقم، وهو حينئذٍ مُرتَجلٌ، لأنَّه لم يسبق له وضعٌ في النَّكرات، ومنعه حينئذٍ للتَّعريف وزيادة الألف والنُّون. قال ابن إسحاق: لقمان هو ابن باعوراء(1) بن ناحور بن تارح _وهو آزر_ وقال وهبٌ: كان ابن أخت أيُّوب، وقال الواقديُّ: كان قاضيًا في بني إسرائيل، ولم يكن نبيًّا، خلافًا لعكرمة، واتُّفِق على أنَّه كان حكيمًا. رُوِي: أنَّه كان نائمًا فنُودِي: هل لك أن يجعلك الله خليفةً في الأرض فتحكم بين النَّاس بالحقِّ؟ فأجابَ الصَّوتَ وقال: إن خيَّرني / ربِّي(2) قبلت العافية(3) ولم أقبل البلاء، وإن عزم عليَّ فسمعًا وطاعةً، فإنِّي أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني، فقالت الملائكة بصوتٍ لا يراهم: لِمَ يا لقمان؟ قال: لأنَّ الحاكم بأشدِّ المنازل وأكدرها يغشاه الظُّلم من كلِّ مكانٍ، ومن يكون في الدُّنيا ذليلًا خيرٌ من أن يكون شريفًا، فتعجَّبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومةً فأُعطِي الحكمة، فانتبه وهو يتكلَّم بها، وكان عبدًا حبشيًّا. والحكمة _كما في «الأنوار»_: استكمال النَّفس الإنسانيَّة باقتباس العلوم النَّظريَّة، واكتساب الملكة التَّامَّة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقته(4).
          ({أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ}[لقمان:12]) «أن» المفسِّرة، فسَّر إيتاء الحكمة بقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} ثمَّ بيَّن أنَّ الشُّكر لا ينفع إلَّا الشَّاكر (إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ}) في مشيه ({فَخُورٍ}[لقمان:18]) على النَّاس بنفسه، وسقط لأبي ذرٍّ «{أَنِ اشْكُرْ}...» إلى آخره، وقال: ”إلى قوله: {عَظِيمٌ}“ يعني: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ولأبي الوقت: ”{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} إلى قوله(5): {فَخُورٍ}[لقمان:16]“ الضَّمير في {إِنَّهَا} للخطيئة، وذلك أنَّ ابن لقمان قال لأبيه: يا أبت إن عملتُ الخطيئة حيث لا يراني أحدٌ، كيف يعلمها الله تعالى؟ فقال: {يَا بُنَيَّ}... الآيةَ، والفاء في {فَتَكُن} لإفادة الاجتماع، يعني: إن كانت صغيرةً، ومع صغرها تكون خفيَّةً في موضعٍ حريزٍ، كالصَّخرة لا تخفى على الله، لأنَّ الفاء للاتِّصال بالتَّعقيب.
          ({وَلَا تُصَعِّرْ}[لقمان:18]) بتشديد العين وهي لغة تميمٍ، وقرأ نافعٌ وأبو عمرٍو وحمزة والكسائيُّ بالألف والتَّخفيف، وهي لغة الحجاز، وهما بمعنًى (الإِعْرَاضُ بِالوَجْهِ) كما يفعله المتكبِّرون، وسقط لأبي ذرٍّ «{وَلَا تُصَعِّرْ}...» إلى آخره.


[1] في (د): «باعور».
[2] زيد في (ص): «وعصمني».
[3] في (م): «العاقبة» وهو تصحيفٌ.
[4] في (ب) و(م): «طاقتها».
[5] «قوله»: ليس في (د).