إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب} إلى قوله: {ونحن له مسلمون}

          ░14▒ هذا(1) (بابٌ) بالتَّنوين في قوله تعالى: ({أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}) {أَمْ} هي المنقطعة، والمنقطعة تَقدَّر بـ «بل» وهمزة‼ الاستفهام، وبعضهم يقدِّرها بـ «بل» وحدها، ومعنى الإضراب: انتقالٌ من شيءٍ إلى شيءٍ لا إبطال له، ومعنى الاستفهام: الإنكار والتَّوبيخ، فيؤول معناه إلى النَّفي. أي: بل أكنتم شهداء، يعني: لم تكونوا حاضرين إذ حضر يعقوبَ الموتُ وقال لبنيه ما قال، فَلِمَ تدَّعون اليهوديَّة عليه، أو متَّصلةٌ بمحذوفٍ تقديره: أكنتم غائبين أم كنتم شهداء؟ وقيل: الخطاب للمؤمنين، أي: ما شهدتم(2) ذلك، وإنَّما عَلِمْتُموه من الوحي، وقوله: {إِذْ حَضَرَ} منصوبٌ بـ {شُهَدَاء} على أنَّه ظرفٌ لا مفعولٌ به، أي: شهداء وقت حضور الموت إيَّاه، وحضور الموت كنايةٌ عن(3) حضور أسبابه ومقدِّماته ({إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ}[البقرة:133] الآية) إذ، بدلٌ من الأولى، أو ظرفٌ لـ {حَضَرَ} قال عطاءٌ: إنَّ الله لم يقبض نبيًّا حتَّى يخيِّره بين الموت والحياة، فلمَّا خَيَّر يعقوب قال: أنظرني حتَّى أسأل ولدي وأوصيهم، ففعل ذلك به، وجمع ولده وولد ولده وقال لهم: قد حضر أجلي، فما تعبدون من بعدي؟ {قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ} والعرب تجعل العمَّ أبًا، كما تسمِّي الخالة أمًّا، قال القفَّال: وقيل: إنَّه قدَّم ذكر إسماعيل على إسحاق، لأنَّ إسماعيل كان أسنَّ من إسحاق. وقوله: «{إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ}...» إلى آخره ثابتٌ لأبي ذرٍّ ساقطٌ لغيره، وقالوا بعد قوله: {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}: ”إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}“ أي: مذعنون مخلصون.


[1] «هذا»: ليس في (د).
[2] في (د): «شاهدتم».
[3] في (د): «الموت عن».