إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين}

          ░35▒ (بابُ: قَوْلِ اللهِ(1) تَعَالَى) الباب ساقطٌ من الفرع ثابتٌ في أصله: ({وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:139]) أي: هو من المرسلين حتَّى في هذه الحالة (إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مُلِيمٌ}[الصافات:142]) حالٌ(2).
          (قَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله ابن جريرٍ في تفسير {مُلِيمٌ} أي: (مُذْنِبٌ) بفعلِه خلافَ الأَولى، وقيل: مليمٌ نفسه.
          ({الْمَشْحُونِ}[الصافات:140]) أي: (المُوَقَّر) بفتح القاف: المملوء.
          ({فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ...} الاية[الصافات:143]) أي: الذَّاكرين الله كثيرًا بالتَّسبيح مدَّة عمره، أو في بطن الحوت، وهو قوله: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:87] {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي: حيًّا أو ميتًا.
          ({فَنَبَذْنَاهُ}) طرحناه.
          ({بِالْعَرَاء}) أي: (بِوَجْهِ الأَرْضِ) قيل: على جانب دجلة، وقيل: بأرض اليمن، فالله أعلم، وأضاف الله تعالى النَّبذ إلى نفسه المقدَّسة مع أنَّه إنَّما حصل بفعل الحوت؛ إيذانًا بأنَّ فعل العبد مخلوقٌ له تعالى ({وَهُوَ سَقِيمٌ}[الصافات:145]) ممَّا حصل له قيل: صار بدنه كبدن الطِّفل حين يُولَد.
          ({وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}[الصافات:146]) أي: (مِنْ غَيرِ ذَاتِ أَصْلِ) بل تنبسط(3) على وجه الأرض ولا تقوم على ساق (الدُّبَاءِ) بالجرِّ بدلًا أو بيانًا(4) (وَنَحْوِه) كالقثَّاء والبطِّيخ؛ وقال البغويُّ: المراد هنا القرع على قول جميع المفسِّرين.
          ({وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ}) هم قومه الَّذين هرب عنهم، وهم أهل نينوى ({أَوْ يَزِيدُونَ}) في مرأى النَّاظر، أي: إذا نظر إليهم، قال: هم مئة ألفٍ أو أكثر، والمراد: الوصف بالكثرة ({فَآمَنُوا}) فصدَّقوه ({فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[الصافات:147-148]) إلى أجلهم المسمَّى، وسقط لغير أبي ذرٍّ قوله: «{وَهُوَ مُلِيمٌ}» إلى آخر قوله: «{فَآمِنُوا}».
          ({وَلَا تَكُن}) يا محمَّد ({كَصَاحِبِ الْحُوتِ}) يونس ({إِذْ نَادَى}) في بطن الحوت ({وَهُوَ مَكْظُومٌ}[القلم:48]) أي: ({كَظِيمٌ}[يوسف:84]) يعني: أنَّ(5){مَكْظُومٌ} بوزن «مفعول» بمعنى: {كَظِيمٌ} بوزن «فعيلٍ» أي: (وَهْو مَغْمُومٌ) وسقط قوله: «وهو» لأبي ذرٍّ.
          وكانت قصَّة يونس: أنَّ الله تعالى بعثه إلى أهل(6) نِيْنَوَى، وهي من أرض الموصل فكذَّبوه، فوعدهم بنزول العذاب في وقتٍ مُعيَّنٍ، ففارقهم إذ لم يتوبوا، فلمَّا دنا الموعد أغامت(7) السَّماء غيمًا أسود ذا دخانٍ شديدٍ، فهبط حتَّى غشي مدينتهم فهابوا، فطلبوا يونس فلم يجدوه، فأيقنوا صدقه(8)، فلبسوا المُسوح وبرزوا إلى الصَّعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابِّهم، وفرَّقوا بين كلِّ والدةٍ وولدها، فحنَّ بعضها إلى بعضٍ، وعلت الأصوات والعجيج، وأخلصوا التَّوبة وأظهروا الإيمان، وتضرَّعوا إلى الله فرحمهم وكشف عنهم، وأمَّا يونس / فإنَّه لم يعرف الحال، فظنَّ أنَّه كَذَبَهُم، فغضب من ذلك وذهب فركب مع قومٍ في سفينةٍ، فوقفت فقال لهم يونس: إنَّ معكم عبدًا أبقَ من ربِّه‼، وإنَّها لا تسير حتَّى تُلقوه فاقترعوا، فخرجت القرعة عليه فقال: إنِّي(9) أنا الآبق، وزجَّ بنفسه في الماء، فأرسل الله ╡ من البحر الأخضر حوتًا، فشقَّ(10) البحار حتَّى جاء فالتقمه، وأوحى الله تعالى إلى ذلك الحوت: لا تأكل له لحمًا ولا تهشم له عظمًا، فإنَّه ليس لك رزقًا، وإنَّما بطنك له سجنٌ، فنادى في الظُّلمات _ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة اللَّيل_ {أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:87] وقال(11) عوفٌ الأعرابيُّ: لمَّا صار يونس في بطن الحوت ظنَّ أنَّه قد مات، فحرَّك رجليه فتحرَّكتا، فسجد مكانه، فلمَّا انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًّا(12)، فقال: ما هذا؟ فأوحى الله إليه: هذا تسبيح دوابِّ البحر، فسبَّح، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربَّنا إنَّا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرضٍ غريبةٍ. قال: ذاك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت، فشفعوا له(13)، فأمر الله الحوت(14) فقذفه في السَّاحل، وهو كهيئة الفرخ الممعوط الَّذي ليس عليه ريشٌ. قال أبو هريرة: وهيَّأ(15) الله له أُرويَّةً وحشيَّةً تأكلُ من خَشَاش الأرض، فتتفشَّخُ عليه فترويه من لبنها بكرةً وعشيَّةً، وأنبت الله عليه شجرةً من يقطينٍ مظلَّةً عليه، قيل: إنَّها يبست وبكى عليها، فأوحى الله تعالى إليه: أتبكي على شجرةٍ ولا تبكي على مئة ألفٍ أو يزيدون أردت أن تُهلكهم.


[1] في (د): «قوله».
[2] «حالٌ»: ليس في (د).
[3] في (د): «تُبسَط».
[4] في (د): «بدلٌ أو بيانٌ».
[5] «أنَّ»: ليس في (م).
[6] في (م): «أرض».
[7] في (د): «غامت».
[8] في (م): «بصدقه».
[9] «إنِّي»: مثبتٌ من (م).
[10] في (د): «يشقُّ».
[11] زيد في (د) و(م): «ابن» وليس بصحيحٍ.
[12] في (د) و(م): «حنينًا».
[13] في (س): «فيه».
[14] في (م): «فأذن الله للحوت».
[15] في (د): «ووهب».