إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنةً بالقدوم

          3356- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) أبو رجاءٍ الثَّقفيُّ مولاهم، البَغْلانيُّ البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هرمز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”النَّبيُّ“ ( صلعم : اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ ╕ (1) وَهْو ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً) جملةٌ حاليَّةٌ (بِالقَدُّومِ) بفتح القاف وتشديد الدَّال في الفرع وأصله(2)، وقال الحافظ ابن حجرٍ: رويناه بالتَّشديد عن الأَصيليِّ والقابسيِّ، ووقع في رواية غيرهما بالتَّخفيف. قال النَّوويُّ: لم تختلف الرُّواة على(3) مسلمٍ في التَّخفيف، وأنكر يعقوب بن شبَّة التَّشديد أصلًا، واختُلِف في المراد به، فقيل: هو اسم قريةٍ بالشَّام، أو ثنيَّةٍ بالسَّراة، وقيل: آلة النَّجَّار، وهي بالتَّخفيف، وأمَّا اسم الموضع ففيه الوجهان. قال في «القاموس»: والقَدُوم _يعني: بالتَّخفيف_ آلةٌ يُنحَت بها مُؤنَّثةٌ، الجمع: قدائم وقُدُوم(4)، وقريةٌ بحلب، وموضعٌ بنعمان(5)، وجبلٌ بالمدينة، وثنيَّةٌ بالسَّراة، وموضعٌ اختتن به(6) إبراهيم ╕ ، وقد تُشدَّد دالُه(7)، وثنيَّةٌ في جبلٍ ببلاد دَوسٍ، وحصنٌ باليمن. انتهى. فمن رواه بالتَّشديد أراد الموضع، ومن رواه بالتَّخفيف، فيحتمل القرية والآلة، والأكثرون على التَّخفيف وإرادة الآلة. وقد روى أبو يَعلى من طريق عليِّ بن رباحٍ قال: أُمِر إبراهيم بالختان فاختتن بقدومٍ، فاشتدَّ عليه، فأوحى الله إليه: عجلت قبل أن نأمرك بآلته(8). فقال: يا ربِّ كرهت أن أؤخِّر أمرك. وعن مالكٍ والأوزاعيِّ _فيما قاله عياضٌ_: أنَّه اختتن وهو ابن مئةٍ وعشرين سنةً، وأنَّه عاش بعد ذلك ثمانين سنةً إلَّا أنَّ مالكًا ومن تبعه وقفوه على أبي هريرة. وحكى الجاروديُّ(9): أنَّه اختتن وهو ابن سبعين سنةً(10)، وما في «الصَّحيح» أصحُّ.
          وهذا الحديث(11) أخرجه أيضًا في «الاستئذان» [خ¦6298]، ومسلمٌ في «أحاديث الأنبياء».
          وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ الحمصيُّ قال: (أَخْبَرَنَا(12) شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة الحمصيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان (وَقَالَ: بِالقَدُومِ _مُخَفَّفَةً_) وعليه الأكثر(13)، والمراد به: الآلة _كما سبق_ وثبت لفظ «وقال» لأبي ذرٍّ (تَابَعَهُ) أي: تابع شعيبًا على التَّخفيف (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ) بن عبد الله الثَّقفيُّ فيما وصله مُسدَّدٌ‼ في «مُسنَده» (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله (وَتَابَعَهُ) أي: تابع شعيبًا أو عبد الرَّحمن بن إسحاق (عَجْلَانُ) بفتح العين المهملة وسكون الجيم، مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة القرشيُّ، والد محمَّد بن عجلان في التَّخفيف أيضًا، فيما وصله الإمام أحمد عن يحيى القطَّان عن محمَّد بن عجلان عن أبيه (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ).
          (وَرَوَاهُ) أي: الحديث المذكور (مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو) بفتح العين(14)، فيما وصله أبو يَعلى(15) في «مُسنَده» (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ، عن أبي هريرة، ووقع في رواية أَبَوَي ذرٍّ والوقت: ”تابعه عبد الرَّحمن بن إسحاق، عن أبي الزِّناد، وتابعه عجلان، عن أبي هريرة، ورواه محمَّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة: حدَّثنا أبو اليمان“ فذكر الحديث السَّابق مُؤخَّرًا عن متابعة عبد الرَّحمن ومتابعة عجلان ورواية محمَّد بن عمرٍو، وحينئذٍ فتكون المتابعتان لقتيبة بن سعيدٍ، على أنَّ عُمُرَ إبراهيم حين اختتن كان(16) ثمانين سنةً، وكذا رواية محمَّد بن عمرٍو، لأنَّه وقع التَّصريح في المتابعتين / والرِّواية عند من وصلها بذلك، أمَّا على تقديم حديث أبي اليمان عليها، فالمتابعتان والرِّواية لحديثه في التَّخفيف _كما مرَّ_ ،فافهم.


[1] في (د): « ◙ »، وكذا في «اليونينيَّة».
[2] «وأصله»: ليس في (د).
[3] في (د): «في».
[4] في (س): «وقدمٌ»، وكذا في «القاموس».
[5] في (د): «بعمان» وهو تحريفٌ.
[6] في (ب) و(س): «فيه».
[7] في (م): «وآلة» وهو تحريفٌ.
[8] «بآلته»: ليس في (ص).
[9] في مطبوع العمدة (15/246) وأكثر من مصدر: الماوردي.
[10] «سنةً»: مثبتٌ من (م).
[11] «الحديث»: ليس في (د).
[12] في (م): «حدَّثنا».
[13] في (د): «الأكثرون».
[14] قوله: «عن يحيى القطان... بفتح العين» سقط من (م).
[15] في (د): «سعيدٍ»، وليس بصحيحٍ.
[16] زيد في (م): «ابن».