إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}

          ░15▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين يُذكَر فيه قوله تعالى في سورة النمل: ({وَلُوطًا}) نُصِب عطفًا على {صَالِحًا} أي: وأرسلنا لوطًا، أو عطفًا على {الَّذِينَ آمَنُوا} أي: وأنجينا لوطًا، أو بـ «اذكر» مُضمَرةً ({إِذْ قَالَ}) بدلٌ على { اذْكُرُ} وظرفٌ على {أَرْسَلْنَا}. قال الطِّيبيُّ: ولا يجوز أن يكون‼ بدلًا؛ إذ لا يستقيم: أرسلنا وقت قوله ({لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}) الفعلة القبيحة، والاستفهام إنكاريٌّ ({وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ}) جملةٌ حاليَّةٌ من فاعل {لَتَأْتُونَ} أو من {الْفَاحِشَةَ} والعائد محذوفٌ، أي: وأنتم تبصرونها، لستم عميًا عنها جاهلين بها، واقتراف القبائح من العالِم بقُبْحها أقبحُ، وقيل: يرى بعضكم بعضًا، وكانوا لا يستترون عتوًّا منهم ({أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً}) مفعولٌ من أجله وبيانٌ لإتيانهم الفاحشة ({مِّن دُونِ النِّسَاء}) اللَّاتي خُلِقن لذلك ({بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}) عاقبة المعصية، أو موضع قضاء الشَّهوة. وقول الزَّمخشريِّ: _فإن قلت: فُسِّرت {تُبْصِرُونَ} بالعلم، وبعده: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} فكيف يكونون علماء جهلاء؟ فالجواب: تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك_ تعقَّبه الطِّيبيُّ فقال: هذا الجواب غير مرضيٍّ تأباه كلمة الاضراب، بل إنَّه تعالى لمَّا أنكر عليهم فعلهم على الإجمال وسمَّاه فاحشةً، وقيَّده بالحال المقرِّرة لجهة الإشكال تتميمًا للإنكار بقوله: {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} أراد مزيد ذلك التَّوبيخ والإنكار، فكشف عن حقيقة تلك الفاحشة متَّصلًا، وصرَّح بذكر {الرِّجَالَ} مُحلًّى بلام الجنس مشيرًا به إلى أنَّ الرُّجوليَّة منافيةٌ لهذه(1) الحالة، وقيَّده بالشَّهوة الَّتي هي أخسُّ أحوال البهيمة. وقد تقرَّر عند ذوي البصائر: أنَّ إتيان النِّساء لمجرَّد الشَّهوة مسترذل، فكيف بالرِّجال؟ وضمَّ إليه من دون النِّساء، وآذن بأنَّ ذلك ظلمٌ فاحشٌ ووضعٌ للشَّيء في غير موضعه، ثمَّ أضرب عن الكلِّ بقوله: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أي: كيف يُقال لمن يرتكب هذه الشَّنعاء: وأنتم تعلمون؟ فأَولى حرفَ الإضراب ضمير «أنتم»(2)، وجعلهم قومًا جاهلين، والتفت في {تَجْهَلُونَ} موبِّخًا معيِّرًا. انتهى. ولما بيَّن تعالى جهلهم، بيَّن أنَّهم أجابوا بما لا يصلح أن يكون جوابًا، فقال: ({فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ}) خبرٌ مقدَّمٌ ({إِلَّا أَن قَالُوا}) في موضع الاسم ({أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}) أي: يتنزَّهون عن أفعالنا الَّتي هي إتيان أدبار الرِّجال، قالوه تهكُّمًا واستهزاءً ({فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا}) قضينا عليها وجعلناها بتقديرنا ({مِنَ الْغَابِرِينَ}) من الباقين في العذاب ({وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا}) وهو الحجارة ({فَسَاء}) فبئس ({مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}[النمل:54-58]) أي: مطرهم، فالمخصوص بالذَّمِّ محذوفٌ، وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «{وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} إلى آخر: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا}»، وقال بعد قوله: ”{أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} إلى قوله: {فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}“.


[1] من هنا يبدأ السَّقط من (ص).
[2] في (د): «اسم»، وهو تحريفٌ.