الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ}

          ░55▒ (باب: قول الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21_22] [إلى آخره].
          وفي حاشية «النُّسخة الهنديَّة» عن «الخير الجاري»: غرضه أنَّ القرآن كان قبل النُّزول مسطورًا في اللَّوح. انتهى.
          قلت: هو كما قالوا،(1) لذا(2) ذكر المصنِّف تفاصيل الكتابة وغيرها. قالَ الحافظُ: قال البخاريُّ في «خلق أفعال العباد» بعد أن ذكر هذه الآية والَّذِي بعدها: قد ذكر الله أنَّ القرآن يُحفظ ويُسطر، والقرآن الموعى في القلوب المسطور في المصاحف المتلوُّ بالألسنة كلام الله ليس بمخلوق، وأمَّا المداد والورق والجلد فإنَّه مخلوق. انتهى.
          وقال في (باب: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} إلى آخره [البقرة:22]): ومحصِّل ما نُقل عن أهل الكلام في هذه المسألة خمسة أقوال: الأوَّل: قول المعتزلة: إنَّه مخلوق. الثَّاني: قول الكلابيَّة: إنه قديم قائم بذات الرَّبِّ، ليس بحروف ولا أصوات، والموجود بين النَّاس عبارة عنه لا عين(3). والثَّالث: قول السَّالميَّة: إنَّه حروف وأصوات قديمةُ الأعينِ، وهو عين هذه الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة. والرَّابع: قول الكراميَّة: إنَّه محدَث لا مخلوق. والخامس: أنَّه كلام الله غير مخلوق، أنه(4) لم يزل يتكلَّم إذا شاء، نصَّ على ذلك أحمد في «كتاب الرَّدِّ على الجَهْميَّة»، وافترق أصحابه فرقتين، ذكرهما الحافظ، ثمَّ قالَ: والَّذِي استقرَّ عليه قول الأشعريَّة أنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق مكتوب في المصاحف محفوظ في الصُّدور مقروء بالألسنة... إلى آخر ما بسط.
          قوله: (وليس أحد يزيل لفظ كتاب...) إلى آخره، [هذا] أحد القولين في تفسير الآية مِنْ أنَّ التَّحريف وقع باعتبار المعنى فقط، ومال الجمهور إلى أنَّ التَّحريف منهم وقع في الألفاظ أيضًا،كما بسط في الحاشية، وقال مولانا الشَّيخ أنور: أعلم(5) أنَّ أقوالَ العلماء في وقوع التَّحريف ودلائلَهم كلَّها قد قضى عنه الوطر المحشِّي، فراجعْه.
          والَّذِي ينبغي فيه النَّظر هاهنا أنَّه كيف ساغ لابن عبَّاس إنكار التَّحريف اللَّفظيِّ، مع أنَّ شاهد الوجود يخالفه؟! كيف وقد نعى عليهم القرآن إنهم(6)كانوا يكتبون بأيديهم، ثمَّ يقولون: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:37]؟ وهل هذا إلَّا تحريفٌ لفظيٌّ، ولعلَّ مراده أنَّهم ما كانوا يحرِّفون قصدًا، ولكنَّ سلفهم كانوا يكتبون مرادها كما فهموه، ثمَّ كان خلفهم يُدخلونه في نفس التَّوراة، فكان التَّفسير يختلط بالتَّوراة مِنْ هذا الطَّريق. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: قوله: (وليس أحد...) إلى آخره، يعني أنَّ تصرُّفهم إنَّما كان في بيان المعنى، وأمَّا كلام الله تعالى فأكرم مِنْ أن يغيِّره أحد، والله تعالى أعلم بالصَّواب، وإليه المرجع والمآب، ولله الحمد على ما أولى، فنعم ما أولى ونعم المولى، وفَّق الله تعالى للإتمام سابع عشر جمادى الثَّانية مِنْ شهور سنة /1313 هـ/. انتهى.
          قلت: وهذا آخر ما أفاده الشَّيخ القطب الكَنكَوهيُّ نوَّر الله مرقده بتقرير البخاريِّ المطبوع باسم «لامع الدَّراريِّ»، وقد بقيت في البخاريِّ ثلاثة أبواب، لم يتعرَّض لها الشَّيخ قُدِّس سرُّه لظهور مقاصدها ممَّا أفاده مِنْ كتابِ الرَّدِّ إلى هاهنا مرارًا مِنْ غرض الإمام البخاريِّ مِنْ هذه التَّراجم. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع». وقد ذكر الكلام فيه على هذه الأبواب إلى آخر الكتاب مبسوطًا ومفصَّلًا، فارجع إليه.


[1] في (المطبوع): ((قال)).
[2] في (المطبوع): ((ولذا)).
[3] في (المطبوع): ((عينه)).
[4] في (المطبوع): ((إنه)).
[5] في (المطبوع): ((اعلم)).
[6] في (المطبوع): ((أنهم)).