الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به}

          ░44▒ (باب: قَولِه تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} إلى آخره [الملك:13])
          قالَ الحافظُ: أشار بهذه الآية إلى أنَّ القول أعمُّ مِنْ أنْ يكون بالقرآن أو بغيره، فإن كان بالقرآن فالقرآن كلام الله، وهو مِنْ صفاتِ ذاته فليس بمخلوق لقيام الدَّليل القاطع بذلك، وإن كان بغيره فهو مخلوق بدليل قوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك:14] بعد قوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك:13]. قالَ ابنُ بطَّالٍ: مراده بهذا الباب إثبات العلم لله صفة ذاتيَّة لاستواء علمه بالجهر مِنَ القول والسِّرِّ، إلى / أن قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ المنيِّر: ظنَّ الشَّارح أنَّه قصد بالتَّرجمة إثبات العلم، وليس كما ظنَّ، وإنَّما قَصَدَ البخاريُّ الإشارة إلى النُّكتة الَّتي كانت سبب محنته بمسألة اللَّفظ، فأشار بالتَّرجمة إلى أنَّ تلاوة الخلق تتَّصف بالسِّرِّ والجهر، ويستلزم أن تكون مخلوقةً، وقد قال البخاريُّ في «كتاب خلق أفعال العباد» بعد أن ذكر عدَّة أحاديث دالَّة على ذلك: فبيَّن النَّبيُّ صلعم أنَّ أصوات الخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم مختلفة بعضهم أحسنُ وأزينُ وأحلى وأصوت وأرتل وألحن وأعلى وأخفض وأغضُّ وأخشع وأبهر(1) وأخفى وأقصر وأمدُّ وألين مِنْ بعض. انتهى.
          قلت: وتعقُّب ابنِ المنيِّر كلامَ ابن بطَّالٍ صحيحٌ، وإلا لزم التَّكرار، فإنَّ هذا العرض(2) أعني إثبات صفة العلم لله تعالى قد تقدَّم في الباب الرَّابع مِنْ باب قول الله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} إلى آخره [الجن:26].


[1] في (المطبوع): ((وأجهر)).
[2] في (المطبوع): ((الغرض)).