الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تبارك وتعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن}

          ░2▒ ({قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110])
          قالَ ابنُ بطَّالٍ: غرضه في هذا الباب إثبات الرَّحمة، وهي مِنْ صفات الذَّات، قال والمراد برحمته إرادتُه نَفْعَ مَنْ سبق في علمه أنَّه ينفعه، وأمَّا الرَّحمة الَّتي جعلها في قلوب عباده فهي مِنْ صفات الفعل، وصفها بأنَّه خلقها في قلوب عباده، / وهي رقَّة على المرحوم، وهو سبحانه وتعالى منزَّه عن الوصف بذلك، فتتأوَّل بما يليق به. انتهى مِنَ «الفتح».
          وفي «تقرير مولانا محمَّد حسن المكِّيِّ»: هذا شروع في إثبات الصِّفات له تعالى، وكان قبل هذا إثبات توحيد الذَّات. انتهى.
          ثمَّ إنَّه قد يشكل هاهنا مِنْ أنَّ مسألة الصِّفات مِنْ باب الاعتقاد، وقد أثبتها المصنِّف بأحاديث الباب، وهي مِنْ قَبيل أخبار الآحاد الَّتي لا تنتهض حجَّة في الاعتقاديَّات، وقد تعرَّض لهذا الإشكال والجوابِ عنه الحافظُ قُدِّس سرُّه فأجاد حيث قال: والَّذِي يظهر مِنْ تصرُّف البخاريِّ في كتاب التَّوحيد أنَّه يسوق الأحاديث الَّتي وردت في الصِّفات المقدَّسة، فيدخل كلَّ حديث منها في باب، ويؤيِّده بآية مِنَ القرآن للإشارة إلى خروجها عن أخبار الآحاد، وأنَّ مَنْ أنكرها خالف الكتابَ والسُّنَّة جميعًا، وقد أخرج ابن أبي حاتم في «كتاب الرَّدِّ على الجَهْميَّة» بسند صحيح عن سلام بن أبي مطيع وهو شيخ شيوخ البخاريِّ أنَّه ذكر المبتدعة فقال: ويلهم ماذا ينكرون مِنْ هذه الأحاديث، والله ما في الحديث شيء إلَّا وفي القرآن مثلُه، يقول الله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:61] (1) {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:28] {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّساء:164] {الرَّحمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، ونحو ذلك، فلم يزل،_أي سلام بن مطيع_ يذكر الآيات مِنَ العصر إلى غروب الشَّمس. انتهى.
          ثمَّ إنَّه قد تقدَّم في كلام الحافظ في الغرض مِنَ التَّرجمةِ مِنْ قول ابن بطَّالٍ، وهو إثبات الرَّحمة، ثمَّ قالَ الحافظُ في آخر الباب وكأنَّ المصنِّف لمَّح في هذه التَّرجمة بهذه الآية إلى ما ورد في سبب نزولها عن ابنِ عبَّاسٍ: ((أنَّ المشركين سمعوا رسول الله صلعم يدعو: يا اللهُ يا رحمنُ، فقالوا: كان محمَّد يأمرنا بدعاء إلهٍ واحدٍ وهو يدعو إلهين، فنزلت)). انتهى.
          قلت: لعلَّ الحافظ أراد بهذا أنَّ المصنِّف أشار بهذه الآية بحسب شأن نزولها إلى إثبات التَّوحيد، فهذا غرضٌ آخر غير ما تقدَّم عن ابن بطَّالٍ، لكنَّ روايات الباب تؤيِّد قولَ ابن بطَّالٍ.


[1] في (المطبوع): (({إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75])).