الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الاحتباء باليد وهو القرفصاء

          ░34▒ (باب: الاحْتِبَاء بِاليَدِ)
          وفي «هامش المصريَّة» عن شيخ الإسلام: أي: باليدين بأن يجلس على إليتيه(1) ويلصق فخذيه ببطنه ويدير يديه مثلًا على ساقيه ويمسك أحديهما بالأخرى. انتهى.
          قالَ العلَّامةُ العينيُّ: أي: هذا باب في بيان أمر الاحتباء باليد، ولم يُبَيِّن حكمه اكتفاءً بما دلَّ عليه حديث الباب، والاحتباء مصدر احْتَبَى يَحْتَبِي: إذا جمع ظَهْرَه وسَاقَيْه بعمامته(2) قاله الكرمانيُّ.
          وفسَّره البخاريُّ بقوله: (وهو القُرْفُصَاء) وأخذَه مِنْ كلام أبي عُبيدة فإنَّه قال: القُرْفُصَاء: جِلْسَة المحتبي يُدِيرُ(3) ذِرَاعَيْه ويَدَيْه على ساقيه. والقُرْفصاء_بضمِّ القاف وسكون الرَّاء وفتح الفاء وضمِّها ممدودًا ومقصورًا_: ضربٌ مِنَ القعود وهو أن يجلس على إليتيه(4) ويلصق فخذه ببطنه ويحتبي بيديه فيضعهما على ساقيه، وقيل: القرفصاء(5): جِلْسة الرَّجل على إليتيه(6). انتهى.
          قلت: الاحتباء قد يكون بالثَّوب وقد يكون باليد كما في «الفتح» وغيره، ففي «المجمع»: الاحتباء أن يضمَّ رِجليه إلى بطنه بثوب يجمعها(7) به مع ظهره ويشدَّه عليها، وقد يكون باليدين. انتهى.
          وأمَّا القرقصاء فهي تكون باليد، ففي «المجمع»: والقرفصاء هي جلسة المحتبي بيديه. انتهى.
          فعلى هذا هي [أخصُّ] مِنَ الاحتباء، لكن لا يشكل تفسير المصنِّف أحدهما بالآخر لأنَّه قيَّد الاحتباء بقوله: (باليد) ولا شكَّ أنَّه القرفصاء.
          وقالَ العينيُّ تحتَ حديثِ الباب: قوله: (مُحْتَبِيًا بِيَدِه) الاحْتِبَاء قد يَكُون باليَدِ وقد يَكُونُ باليَدَيْن، فظاهر هذا الحديث أنَّه كان باليد، وأمَّا باليدين فقد رواه أبو داود مِنْ حديث أبي سعيد: ((أنَّ رسول الله صلعم كان إذا جَلَس احْتَبَى بِيَدَيه)) ورواه البزَّار وزاد: ((وَنَصَب(8) رُكْبَتَيه)) وروى البزَّار أيضًا مِنْ حديث أبي هريرة بلفظ: ((جَلَس عِنْدَ الكَعْبَة وَضَمَّ رِجْلَيه فَأَقَامَهُمَا واحْتَبَى بِيَدَيْه)). انتهى.
          ثمَّ اعلمْ أنَّه قد تقدَّم في كتاب اللِّباس ترجمة المصنِّف بقوله: (باب: الاحتباء في ثوبٍ واحد) وقد تقدَّم هناك أنَّ المصنِّف أشار بقوله: (في ثوب واحد) إلى محمل النَّهي، وهو أنَّ المنع محمول على ما إذا كان عليه ثوبٌ واحد، وأخرج المصنِّف هناك حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله صلعم عن لبستين: أن يحتبي الرَّجل في الثَّوب الواحد ليس على فرجه منه شيء...) الحديث، وثبت بحديث الباب هاهنا (جلوسه صلعم محتبيًا بيده) والجمع بينهما هو ما تقدَّم مِنْ أنَّ النَّهي مقيَّد بما إذا كان عليه ثوب واحد.
          قالَ العلَّامةُ النَّووي في «شرح مسلم»: وكان الاحتباء عادة العرب في مجالسهم، فإن انكشف معه شيء مِنْ عورته فهو حرام، والله أعلم. انتهى.
          وهكذا ذكر الحافظ مِنْ أنَّ النَّهي مقيَّد بما إذا لم يكن على الفرج شيء، أي: يستره، ومقتضاه أنَّ الفرج إذا كان مستورًا فلا نهي. انتهى.
          وفي «المشكاة» مِنْ حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ قال: ((كان رسول الله صلعم إذا جَلَس في المسجد / احْتَبَى بِيَدَيْه)) رواه رَزينٌ، ولمَّا ثبت الاحتباء منه صلعم فأقلُّ مراتبه الجوازُ بل قيل: إنَّه سُنَّة. قالَ القاريُّ في «المرقاة» تحت حديث ابن عمر حديث الباب: المرادُ به سُنِّيَّة الاحتباء في الجلوس، ذكره ابن الملك، والظَّاهر أنَّ سُنِّيَته لا تحصل بمجرَّد هذا الفعل، بل هو بيان الجواز ودليل الاستحباب. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((أليتيه)).
[2] في (المطبوع): ((بعمامة)).
[3] في (المطبوع): ((ويدير)).
[4] في (المطبوع): ((أليتيه)).
[5] قوله: ((القرفصاء)) ليس في (المطبوع).
[6] في (المطبوع): ((أليتيه)).
[7] في (المطبوع): ((يجمعهما)).
[8] في (المطبوع): ((نصب)) بلا واو.