الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: بمن يبدأ في الكتاب؟

          ░25▒ (باب: بمن يبدأ في الكتاب؟)
          أي: بنفسه أو المكتوب(1) إليه، قاله الحافظ.
          في «هامش المصريَّة» عن «شرح شيخ الإسلام»: أي: هل يبدأ بالكاتب أو بالمكتوب إليه، وكلٌّ سائغ، ولكن جرت العادة في الرَّسائل بالابتداء بالكاتب. انتهى.
          وقالَ الحافظُ: ذكر فيه طرفًا مِنْ حديث [الرَّجل] مِنْ بني إسرائيل الَّذِي اقتَرض ألفَ دينارٍ، وكأنَّه لمَّا لم يجد فيه حديثًا على شرطه مرفوعًا اقتصر على هذا، وهو على قاعدته في الاحتجاج بشرعِ مَنْ قَبْلَنا إذا وَرَدَت حكايته في شرعنا ولم يُنْكَر، ولا سيَّما إذا سيق مساق المدح لفاعله، وعند أبي داود مِنْ طريق ابن سيرين عن أبي العلاء بن الحَضْرميِّ عن العلاء: ((أنَّه كَتَب إلى النَّبيِّ صلعم فبدأ بنفسه)) وعن نافع: ((كان عُمَّال عمر إذا كتبوا إليه بدؤوا بأنفسهم)). قال المهلَّب: السُّنَّة أن يَبدأ الكاتبُ بنفسه. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخُ في «البذل» تحت حديث هِرَقل: إنَّ الاستدلال به على تقدُّم ذكرِ الكاتب على المكتوب إليه على العموم فمحلُّ نظرٍ بل الحديث يدلُّ على أنَّ الأعلى إذا كتب إلى الأدنى يبدأ باسم نفسه قبل المكتوب إليه، وذلك لأنَّ رسول الله صلعم كان أعلى باعتبار الدِّين والدُّنْيا مِنْ هِرَقْلَ، فإنَّه وصفَ نفسه بكونه رسولَ الله ووصف هرقل بكونه عظيمَ الرُّوم، ثمَّ دعاه إلى الانقياد والاستسلام.
          فهذا يدلُّ ظاهرًا أنَّ رسول الله صلعم أعظمُ مِنْ مَلِكِ الرُّوم فبدأ بنفسه، وكذلك مَنْ يكون أعظمَ مِنَ المكتوب إليه يبدأ بنفسه، وأمَّا إذا كان المكتوب إليه أعظم كالولد يكتب إلى والده أو الرَّجل يكتب إلى شيخه، فينبغي حينئذٍ أن يبدأ باسم المكتوب إليه لا باسمه، وأمَّا حديث العلاء بن الحضرميِّ فإنَّه بدأ باسمه في كتابته إلى رسول الله صلعم اتِّباعًا واقتداءً برسول الله صلعم. وأمَّا تقريره صلعم فلأجل بيان الجواز، قال المنذريُّ: فيهما_ أي في روايتَي ابن العلاء_ مجهول. قال بعضهم: يبدأ الكتابَ باسمه، فيقول: مِنْ فلان بن فلان إلى فلان بن فلان. انتهى.
          قالَ العلَّامةُ النَّوويُّ في «شرح مسلم» في قصَّة خَضِر مع موسى تحت قوله صلعم: ((رَحْمَةُ الله عَلَيْنا وَعَلَى مُوسَى وكان إذا ذكر أحدًا مِنَ الأنبياء بدأ بنفسه....)) الحديث: قال أصحابنا: فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدُّعاء وشبهِه مِنْ أمور الآخرة، واختلف العلماء في الابتداء في عنوان الكتاب، فالصَّحيح الَّذِي قاله كثير مِنَ السَّلفِ وجاء به الصَّحيح أنَّه يبدأ بنفسه، فيقدِّمها على المكتوب إليه، فيقول: مِنْ فلان إلى فلان، واستدلَّ عليه مِنْ حديث هرقل، ثمَّ قالَ: وقالت طائفة: يبدأ بالمكتوب إليه، فيقول: إلى فلان مِنْ فلان، قالوا: إلَّا أن يكتب الأميرُ إلى مَنْ دُونَه، أو السَّيِّد إلى عبده، أو الوالد إلى ولده. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((بالمكتوب)).