الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب المصافحة

          ░27▒ (باب: المُصَافَحَة)
          قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ: أي: مشروعيَّة المصافحة، وهي الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد. انتهى.
          قالَ الحافظُ: وقد أخرجَ التِّرْمِذيُّ بسندٍ ضعيف مِنْ حديث أبي أمامة رفعه: ((تمام تَحِيَّتِكم بينكم المصافحة)) وأخرج المصنِّف في «الأدب المفرد» وأبو داود بسند حسن عن أنس رفعه: ((قد أقبل أهل اليمن وهم أوَّل مَنْ حيَّانا بالمصافحة)) وفي «جامع ابن وهب» مِنْ هذا الوجه: ((وكانوا أوَّل من أظهر المصافحة)) قالَ ابنُ بطَّالٍ: المصافحة حسنةٌ عند عامَّة العلماء، وقد استحبَّها مالكٌ بعد كراهته.
          وقالَ النَّوويُّ: المصافحة سنَّة مجمَعٌ عليها عند التَّلاقي، وقد أخرج أحمد وأبو داود والتِّرمذيُّ عن البراء رفعه: ((ما مِنْ مسلِمَيْن يِلْتَقِيَان فيَتَصَافَحَان إلَّا غُفر لهما قبل أن يتفرَّقا)) وقالَ ابنُ عبد البرِّ: روى ابن وَهْب عن مالكٍ أنَّه كره المصافحة والمعانقة، وذهب إلى هذا سُحْنون وجماعة، وقد جاء عن مالكٍ جوازُ المصافحة، وهو الَّذِي يدلُّ صنيعه في «الموطَّأ»، وعلى جوازه جماعة العلماء سلفًا وخلفًا. انتهى مِنَ «الفتح» مختصرًا.
          وقال صاحب «الفيض»: اعلم أنَّ كمالَ السُّنَّة في المصافحة أن تكونَ باليدين، ويتأدَّى أصلُ السُّنَّة مِنْ يدٍ واحدةٍ أيضًا، وقد بوَّب البخارِيُّ بُعَيْدَه (باب: الأخذ باليدين) ثمَّ الَّذِين يَدَّعون العملَ بالحديث يُنْكِرُون التَّصافحَ باليدين، ولمَّا لم يكن في ذلك عند المصنِّف حديثٌ على شرطه أخرجَ حديثَ ابن مسعودٍ في التَّشهُّد فاكتفى عن الاستشهاد على النَّوع بالاستشهاد على الجنس، فإنَّ التَّصافحَ في حديثه كان عند التَّعليم دون التَّسليم، وهذا غيرُ ذاك، نعم أخرج لها أثرين، ثمَّ للتَّصافح باليدين حديثٌ مرفوعٌ أيضًا، كما في «الأدب المفرد».
          وأراد المدرِّسون أن يستدلُّوا عليه بحديث ابن مسعود / هذا فقالوا: أمَّا كون التَّصافح فيه باليدين مِنْ جهة النَّبيِّ صلعم فالحديث نصٌّ فيه، وأمَّا كونه كذلك مِنْ جهة ابن مسعود فالرَّاوي وإن اكتفى بذكر يده الواحدة إلَّا أنَّ المرجوَّ منه أنَّه لم يكن ليصافحه بيده الواحدة والنَّبيُّ صلعم قد صافحه بيديه الكريمتين فإنَّه يُسْتَبعد مِنْ مثله ألَّا يبسط يديه للنَّبيِّ صلعم، وقد يكون النَّبيُّ صلعم بَسط له يديه، غير أنَّ الرَّاوي لم يذكره لعدم كون غرضه متعلِّقًا بذلك. انتهى.
          قلت: وفي «تذكرة الخليل» أنَّه قد اتَّفق لشيخنا الفقيهِ الكبير والمحدث الجليل مولانا خليل أحمد قُدِّس سِرُّه أنَّه صافحه أحد ممَّن يدَّعي العمل بالحديث بيدٍ واحدةٍ وصافحه الشَّيخ بيدين، فاعتَرض على الشَّيخ، واستدلَّ بحديث ابن مسعود هذا فإنَّه صافح بيد واحدة، فأجاب شيخُنا قُدِّس سِرُّه على الفور مبتسمًا(1) بقوله: فنحن على السُّنَّة أم أنتم؟ فبُهِتَ. وأراد الشَّيخ بذلك أنَّ المصافحة باليدين موافقٌ لفعله صلعم، وأمَّا المصافحة بيدٍ واحدة فكان مِنْ فعلِ ابن مسعود ☺ .
          وكتبَ الشَّيخُ في «الكوكب»: قوله: (الأخذ باليد) اللَّام فيه للجنس فلا تثبت الواحدة، والحقُّ فيه أنَّ مصافحته صلعم ثابتة باليد وباليدين إلَّا أنَّ المصافحة بيد واحدة لمَّا كانت شعار أهل الإفرنج وجب تركه لذلك. انتهى ((كوكب)) (2).
          وأمَّا وجه مطابقة الحديث الثَّاني بالتَّرجمة، فذكر الحافظ وجه إدخال هذا الحديث في المصافحة أنَّ الأخذ باليد يستلزم التقاء صفحة اليد بصفحة اليد غالبًا، ومِنْ ثَمَّ أفردها بترجمة تلي هذه لجواز وقوع الأخذ باليد مِنْ غير حصول المصافحة. انتهى.
          قلت: وهذا مبنيٌّ على ما في نسخة «الفتح»، وسيأتي اختلاف ذكر النُّسخ في التَّرجمة الآتية.


[1] في (المطبوع): ((متبسِّماً)).
[2] قوله: ((كوكب)) ليس في (المطبوع).