الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال

          ░16▒ (باب: تَسْلِيمِ الرِّجال عَلَى النِّساء، وَالنِّساء عَلَى الرِّجال)
          قالَ الحافظُ: أشار بهذه التَّرجمة إلى ردِّ ما أخرجه عبد الرَّزَّاق عن مَعْمر عن يحيى بن أبي كثير: (بلغني أنَّه يُكرَه أن يسلِّم الرِّجالُ على النِّساء والنِّساءُ على الرِّجال) وهو مقطوعٌ أو مُعْضِل، والمراد بجوازه أن يكون عند أَمْنِ الفِتنة، وذكر في الباب حديثين يُؤخَذ الجواز منهما، وورد فيه حديث ليس على شرطه وهو حديث أسماء بنت يزيد: ((مرَّ علينا النَّبيُّ صلعم في نِسوة، فسلَّم علينا)) حسَّنه التِّرمذيُّ، وليس على شرطِ البخاريِّ فاكتفى بما هو على شرطِه، وأخرج أبو نُعيم في «عمل يوم وليلة(1)» مِنْ حديث واثلة مرفوعًا: ((يسلِّم الرِّجال على النِّساء ولا يسلِّم(2) النِّساء على الرِّجال)) وسنده واهٍ، ومِنْ حديث عمرو بن حُرَيْث مثله موقوفًا عليه، وسنده جيِّد.
          ثمَّ قالَ الحافظُ تحت الحديث الثَّاني مِنْ حديثَي الباب: حكى ابنُ التِّين أنَّ الدَّاوديَّ اعتَرض فقال: لا يقال للملائكة رجال، ولكنَّ الله ذَكَرهم بالتَّذكير. والجواب: أنَّ جبريل كان يأتي النَّبيَّ صلعم على صورة الرَّجل. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ السِّنْديُّ تحت التَّرجمة: كأنَّه أراد به تسليم أحد الجنسين المتغايرين على الآخر، فلذلك ذكر في الباب حديث سلام جبريل على عائشة، وذكر وجوهًا أخر، فارجع إليه لو شئت.
          وقالَ الحافظُ: وقالَ ابنُ بطَّالٍ_في مسألة الباب_: فرَّق المالكيَّةُ بين الشابَّة والعجوز سدًّا للذَّريعة، ومَنَعَ منه ربيعة مطلقًا، وقال الكوفيُّون: لا يُشرع للنِّساء ابتداءُ السَّلام على الرِّجال لأنَّهنَّ مُنِعْنَ مِنَ الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا: ويُستثنى المحْرَم فيجوز لها السَّلام على محْرَمها. انتهى.
          قلت: وما حكى ابنُ بطَّالٍ مِنْ مذهب الإمام مالكٍ صرَّح به مالكٌ في «الموطَّأ»، وقالَ النَّوويُّ كما في «الأوجز»: أمَّا النِّساء فإنْ كنَّ جمعًا سلَّمَ علَيْهنَّ، وإن كانت واحدةً سَلَّم عَلَيها زَوجُها ومَحْرَمُهَا، وأمَّا الأَجْنَبيُّ فإن كانت / عَجُوزًا لا تُشتَهى استُحِبَّ له السَّلام عليها واستُحِبَّ لهَا السَّلام عليه، وإنْ كانت شَابَّة أو عَجُوزًا تُشْتَهى لم يُسَلِّم عليها الأجنبيُّ ولم تُسَلِّم عليه، ومَنْ سلَّم منهما لم يستحقَّ جوابًا ويُكرَه جوابُه، هذا مذهبُنا ومذهب الجمهور. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: نُظِم جمعٌ فيه كلُّ مَنْ يُكرَه السَّلام عليه وفيه:
............                      كَذَا الْأَجْنَبِيَّاتُ الْفَتِيَّاتُ أمْنَعُ(3)
          قالَ ابنُ عابدين: ومفهومه جوازه على العجوز، بل صرَّحوا بجواز مصافحتها عند أمن الشَّهوة، وفيه أيضًا في موضع آخر: ولا يكلِّم الأجنبيَّةَ إلَّا عجوزًا عطست أو سلَّمت فيُشَمِّتُها ويردُّ السَّلام عليها وإلَّا لا. قالَ ابنُ عابدين: أي: هو(4) إن لم تكن عجوزًا بل شابَّة لا يُشَمِّتُها ولا يردُّ السَّلام بلسانه، بل ردَّ عليها في نفسه، وقال أيضًا: وتقدَّم في شروط الصَّلاة أنَّ صوت المرأة عورة على الرَّاجح. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((اليوم والليلة)).
[2] في (المطبوع): ((تسلم)).
[3] في (المطبوع): ((أمنع)).
[4] في (المطبوع): ((هي)).