التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: كاد الخيران أن يهلكا

          4845- قوله: (حَدَّثَنَا(1) يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ): (يَسَرة): بفتح المثنَّاة تحت، وفتح السين المهملة والراء، ثُمَّ تاء التأنيث، و(جَمِيل): بفتح الجيم، وكسر الميم، تَقَدَّم، و(ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة، وأنَّ اسم أبي مُلَيْكَة زهيرٌ، وأنَّ زهيرًا صَحابيٌّ.
          قوله: (كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا...) إلى أن قال: (قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ): يُعلِمك أنَّ هذا الحديث يرويه ابن أبي مُلَيْكَة عن عبد الله بن الزُّبَير، وبه ظهر اتِّصاله، فإنَّه حكى هذه القصَّة ولم يحضرها، وقد ذكر هذا الحديث البُخاريُّ في (المغازي) [خ¦4367] و(التفسير) عن عبد الله بن أبي مُلَيْكَة عن ابن الزُّبَير [خ¦4847]، وهنا و(الاعتصام) (عن ابن أبي مُلَيْكَة: كاد(2) الخيِّران) [خ¦7302]، وقد أخرجه التِّرْمِذيُّ في (التفسير) عن ابن أبي مُلَيْكَة عن ابن الزُّبَير نحوه، وقال: (حسنٌ غريبٌ، وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيْكَة مرسلًا، ولم يذكر ابن الزُّبَير)، وأخرجه النَّسائيُّ عن ابن أبي مُلَيْكَة عن ابن الزُّبَير، والله أعلم.
          فإن قال قائل: لعلَّ أبا بكر وعمر حدَّثاه بالقصَّة أو أحدَهما؟ فالجواب: أنَّه لم يسمع منهما، هو يصغر عن ذلك، وقد أرسل عن عمر وعثمان، قاله أبو زرعة.
          تنبيهٌ: إذا تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف تَقَدَّم فيه أربعة أقوال [خ¦456]؛ أحدها: الحكم لمن وصل، وهو الأظهر الصحيح، والثاني: أنَّ الحكم لمن أرسل، والثالث: الحكم للأكثر، الرابع: الحكم للأحفظ، فإذا وقع الاختلاف من راوٍ واحدٍ ثِقةٍ في المسألتين معًا، فوصَله في وقت وأرسَله في وقت، أو رفعه في وقت ووقفه في وقت؛ فالحكم على الأصحِّ لوصله ورفعه، لا لإرساله ووقفه، هكذا صحَّحه ابن الصلاح، وأمَّا الأصوليُّون؛ فصحَّحوا أنَّ الاعتبار بما وقع منه أكثر، من إرساله أو وقفه، والله أعلم.
          قوله: (كَادَ(3) الْخَيِّرَانِ): هو بالخاء المعجمة، ثُمَّ مثنَّاة تحت، هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا، وكذا في أصلنا القاهريِّ والدِّمَشْقيِّ، وقال شيخنا: (بالخاء المعجمة، ويجوز بالمهملة أيضًا)، انتهى؛ يعني: ومع الإهمال بالموحَّدة، وهذا لا بدَّ منه مع الإهمال، والله أعلم.
          قوله: (أَنْ يَهْلِكَا): هو بكسر اللام، وقد تَقَدَّم، وفي أصلنا: (أن يهلكان) بإثبات النون، وعلَّم عليها علامة راويها، وهذه على لغة، وهو إثباته النون مع الناصب، وشاهدها من [البسيط]:
أَنْ تَقْرَأَانِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا                     مِنِّي السَّلامَ وَألَّا تُشْعِرا أَحَدًا
          وفي رواية في أصلنا بحذف النون، وهذه على نكارة.
          قوله: (أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ): كذا في أصلنا، وفي أصلنا أيضًا: (أبا بكر)، وهذه على لغة القصر، وأمَّا (عمرُ)؛ فإنَّه مرفوع في أصلنا غير منوَّن، وهذا يؤيد أنَّ قوله: (أبا بكر) على لغة القصر، والله أعلم.
          قوله: (حِينَ قَدِمَ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ): تَقَدَّم متى قَدِم، وقد ذكرت رؤوسهم المعروفين؛ فانظره [خ¦64/67-6298].
          قوله: (فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ): تَقَدَّم الكلام على (الأقرع بن حابس)، والمشير به: هو عمر بن الخَطَّاب، وقد تَقَدَّم ذلك مصرَّحًا به في الباب الذي بعد (باب وفد بني تميم) [خ¦4367]، وسيأتي بُعَيد هذا المكان أيضًا [خ¦4847]، وفي (التفسير) من «التِّرْمِذيِّ» في (الحجرات): (أنَّ أبا بكر أشار بالأقرع)، وقال: حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيْكَة مرسلًا، قال شيخنا: (قال ابن التين: كان القعقاع أرقَّ من الأقرع؛ فلهذا أشار به أبو بكر).
          قوله: (وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، قَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ): (نافع): هو ابن عمر المذكور في السند، والرجل الآخر: القعقاع بن معبد بن زرارة، والمشير به: هو أبو بكر الصِّدِّيق ☺، وقد تَقَدَّم مصرَّحًا به في الباب المشار إليه أعلاه [خ¦4367]، وسيأتي بُعَيد هذا أيضًا [خ¦4847]، وقد تَقَدَّم من عند السهيليِّ أنَّ القصَّة جرت وأشارا بغير هذين الأميرَين [خ¦4367].
          قوله: (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ...}؛ الآية[الحجرات:2]): وهذا الحديث مصرِّح بأنَّ الآية نزلت في ذلك، وعن ابن عطية: الصحيح: أنَّ سببها كلام جفاة الأعراب، انتهى.
          ولقد تكلَّم بعضهم في هذا الحديث فقال: إنَّه ليس بمتَّصل، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الطريق الثانية صرَّحت بأنَّ ابن الزُّبَير هو الذي أخبر ابنَ أبي مُلَيْكَة ذلك، والله أعلم، وقد تَقَدَّم أعلاه.
          قوله: (وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ؛ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ): وهذا هو الصواب، ويدلُّ له: وصفه بـ(الصِّدِّيق)، كما في أصلنا، وكما في بعض النسخ، وفي بعضها حذفه، ولا التفات إلى ما وقع لبعض الشرَّاح فقال: يحتمل أنَّه أراد: أبا بكر عبد الله بن الزُّبَير بن العوام، أو أبا بكر عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة، فإنَّ أبا مليكة ذُكِر في الصَّحابة عند أبي عمر وأبي نعيم، وقال أبو عمر: فيه نظرٌ، انتهى ما قاله شيخنا، وفي قوله: (ولم يذكر ذلك عن أبيه؛ يعني: أبا بكر الصِّدِّيق): أنَّ أولاد البنات يُنسَبون إلى جدِّهم، وأنَّه ليس خاصًّا به ◙، وقد قدَّمتُ ذلك في (براءة) [خ¦4666].
          تنبيهٌ: قال شيخنا في (كتاب الاعتصام) في هذا الحديث: (إنَّه روي عن أبي بكر ☺ مثلُ فعلِ عمرَ، لم يكن بعد ذلك من كلامه لرسول الله صلعم حتَّى يستفهمه)، والله أعلم، انتهى، وقد حكى القاضي عياض في (الشفا): (ورُوِيَ أنَّ أبا بكر لمَّا نزلت الآية؛ قال: والله يا رسول الله؛ لا أكلِّمك بعدها إلَّا كأخي السِّرَار)، انتهى، وقال بعض حفَّاظ العصر: (وقد روى ابن مردويه من طريق مخارق، عن طارق، عن أبي بكر أنَّه قال ذلك أيضًا)، انتهى.


[1] كذا في (أ) و«اليونينيَّة»، وفي (ق): (حدثني).
[2] في (أ): (كان)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.
[3] في (أ): (كان)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و(ق).