التلقيح لفهم قارئ الصحيح

سبأ

          قوله: (سُورَةُ(1) سَبَأ): اعلم أنَّ (سَبَأ) هنا [سبأ:15] وفي (النمل) [النمل:22] قد قرأ البَزِّيُّ وأبو عمرٍو فيهما بفتح الهمزة من غير تنوين، وقرأ قُنبل بإسكانها فيهما على نيَّة الوقف، والباقون: بخفضها فيهما مع التنوين، وهو كـ(جَبَلٍ) ويُمْنَعُ، بلدةُ بِلْقيسَ، ولقبُ ابن يَشْجُبَ بن يَعْرُبَ، واسمه: عبدُ شمسٍ، يجمع عامَّة قبائل اليمن، والله أعلم.
          قوله: (يقال: {مُعَاجِزِينَ}: مُسَابِقِينَ، {بِمُعْجِزِينَ}: بِفَائِتِينَ...) إلى آخره: اعلم أنَّه كان ينبغي أن يذكر هذا في (سورة الحجِّ)، فإنَّه أوَّل مكان وقع فيه ذلك، وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرٍو: {مُعَاجِزِينَ} في (الحجِّ)[الأية:51] وفي المكانَين من (سبأ) [الأية:5-38]؛ بتشديد الجيم من غير ألف، والباقون: بالألف وتخفيف الجيم، والله أعلم.
          قوله: (فَارْتَفَعَتَا عَنِ الجَنْبَتَيْن): كذا في أصلنا، قال الدِّمْياطيُّ: (صوابه: «يعني: الجنتين»، وكذلك هو في بعض النسخ من رواية أبي ذرٍّ)، انتهى، وما قاله الدِّمْياطيُّ كلامٌ مقبولٌ صحيحٌ، والله أعلم.
          قوله: (وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلٍَ): هو أبو مَيْسرةَ، عمرو بن شرحبيل، و(شُرحبيل): بضمِّ الشين المعجمة، لا ينصرف؛ للعُجمة والعلميَّة، وهذا ظاهرٌ جدًّا إلَّا أنِّي رأيتُ مَن يفتح شينَهُ، وأمَّا كونه لا ينصرف؛ فلا يعرفه إلَّا مَن يعرف النحوَ، وهو همْدانيٌّ كوفيٌّ، من فضلاء التابعين، وليس هو بعمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجيِّ المدنيِّ؛ لأنَّ هذا ليس له في «البُخاريِّ» شيءٌ، بل ولا تعليقًا، والخزرجيُّ أخرج له النَّسائيُّ وانفرد به، وصاحب الترجمة كان من فضلاء التابعين، عابدًا حُجَّة، والخزرجيُّ ذكره ابن حِبَّان في «الثقات»، تُوُفِّيَ الهمْدانيُّ وأوصى أن يصلِّيَ عليه شُرَيحٌ القاضي، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ.
          قوله: (العَرِمُ: الْمُسَنَّاةُ بِلَحْنِ أَهْلِ الْيَمَنِ): (المُسَنَّاة): بضمِّ الميم، وفتح السين المهملة، ثُمَّ نون مشدَّدة، وبعد الألف تاء، قال شيخنا عَنِ ابن التِّين: (بضمِّ الميم، وتشديدِ النون، كذا هو مضبوطٌ في أكثر الرِّوايات، وكذا هو في أكثر كتب اللغة، وضُبِط في رواية الأصيليِّ بفتح الميم، وسكون السين، وتخفيف النون)، انتهى، قال النَّوويُّ: (ضفيرة تُجعَل في جانب النهر لتمنعَه مِنَ الأرض)، وقال البندنيجيُّ: (هي الأحواض التي يُجعَل / فيها الماء تحت النخل)، انتهى.
          و(العَرِم): لا واحد لها مِن لفظها، ويقال: واحدتها عَرِمَةٌ، (بلحن اليمن(2))؛ أي: أهل اليمن، وفي بعض النسخ: (بلحن حمير)، و(اللَّحَـْن)؛ بإسكان الحاء وتفتح، ذكرهما ابن الأثير عَنِ ابن الأعرابيِّ، وفتح اللام؛ أي: بلغتهم، و(حِمْيَر)؛ بكسر الحاء المهملة، وإسكان الميم، وفتح المثنَّاة تحت، ثُمَّ راء، غير مصروفٍ، أبو قبيلة مِنَ اليمن، وهو حِمْيَر بن سبأ بن يَشْجُبَ بن يَعْرُبَ بن قحطانَ، ومنهم كانت الملوك في الدهر الأوَّل، قال ابن قُرقُول: («العَرِمُ: المُسنَّاة»، كذا في «البُخاريِّ»: «بلحن حِمْير»؛ يعني: لغتَهُم، وهو السدُّ، وقيل: الوادي، وقيل: اسمُ الفأر الذي حفره(3)، وقيل: المطر الشديد)، انتهى، وقال السُّهَيليُّ: (وفي «العَرِمِ» أقوالٌ: قيل: هي المسنَّاة؛ أي: السُّدُّ، وهو قول قتادة، وقيل: هو اسمٌ للوادي، وهو قول عطاء، وقيل: هو الجُرَذُ الذي خرَّب السُّدَّ، وقيل: هو صفة للسيل، مِنَ العرامة، وهو معنى رواية عليِّ بن أبي طلحة عَنِ ابن عبَّاس، وقال البُخاريّ: «{الْعَرِمِ}: ماءٌ أحمرُ...»)، فذكرَه، انتهى، وأوضحُ مِنَ الذي ذكروه في {الْعَرِمِ}: أنَّه السُّدُّ؛ يعنون به: السِّكر؛ وهو ضفيرة تُبنى للسيل تردُّه، أو للنهر، والله أعلم.
          قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ: العَرِمُ: الْوَادِي): قال بعض حُفَّاظ مِصْرَ مِنَ المعاصرين: (هو قول قتادة، رواه ابن جَرير بإسنادٍ صحيحٍ)، انتهى.
          قوله: ({مَثْنَى وَفُرَادَى}: وَاحِدٌ وَاثْنَيْنِ) قال الدِّمْياطيُّ: (صوابه: واحدًا واحدًا، واثنين اثنين)، انتهى، وقال الجوهريُّ: (ويقال: جاؤوا مثنى مثنى؛ أي: اثنين اثنين)، فظاهرُهُ يردُّ على الدِّمْياطيِّ، ويوافقُ البُخاريَّ، و{فُرَادَى}: جمع (فرد) على غير قياسٍ؛ كأنَّه جمع (فَرْدان)، قاله في «الصحاح»، وفي «القاموس»: (الفردُ: نِصفُ الزوج، والمُتَّحِدُ، ج _يعني: الجمع_: فِراد، ومَن لا نظير له ج _يعني: الجمع_: أفراد وفُرادى)، انتهى.
          وليس هذا مرادَ البُخاريِّ، والذي أراد البُخاريُّ معناه: واحدًا واحدًا، جاء القوم فُرادًا وفِرادًا(4) وفُرادى وفُرادَ وفَرادَ وفَرْدَى؛ كـ(سَكْرَى): واحدًا بعد واحد، والواحد: فَرَد وفَرِد وفَرِيد وفَرْدَان، ولا يجوز (فَرْد) في هذا المعنى، قاله شيخنا في «القاموس».
          قوله: (وَالأَثْلُ: الطَّرْفَاءُ): هو بفتح الطاء المهملة، وإسكان الراء، ممدود الآخر، وتَقَدَّم ما هي [خ¦377].


[1] في (أ): (في)، والمثبت هو الصواب.
[2] كذا في (أ)، والرواية: (بلحن أهل اليمن).
[3] كذا في (أ) تبعًا لمصدره، وفي «مشارق الأنوار» ░2/226▒: (اسم الفأر الذي خرَّب السد)، وسيأتي ما يؤيِّده من كلام السُّهيليِّ.
[4] في (أ): (أفرادًا)، والمثبت من مصدره.