التلقيح لفهم قارئ الصحيح

{ألم نشرح}

          قوله: (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ:...وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ): هذا إشارة إلى قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح:5- 6]، فإن قيل: هنا عسران ويسران؟ فالجواب: أنَّ {الْعُسْرِ} في الموضعين معرَّف، فهما واحد، فإنَّهم قالوا: إنَّ المعرفة إذا أُعِيدَت؛ كان الثاني عين الأوَّل، و(اليسر) مُنَكَّر، وقالوا: إنَّ النكرة إذا أُعِيدَت؛ كان الثاني غير الأوَّل، فهما يسران على هذا، وهذا قد ذكروه، وهذا قد ذكره الإمام جمال الدين ابن هشام في «المغني» وتعقَّبه؛ فانظر ذلك إن أردته.
          وقوله: (ولن يغلب عسرٌ يسرين): هذا قد ذكره أبو محمَّد بن عبد السلام العلَّامة عزُّ الدين في «تفسيره» حديثًا ولفظه: (وفي الحديث / : «والذي نفسي بيده؛ لو كان العسر في جُحْر؛ لجاءه اليسر حتَّى يدخل عليه» و«لن يغلب عسرٌ يسرين»، قاله ╕ عند نزولها، وذلك لأنَّ {الْعُسْرِ} مُعرَّف بالألف واللام، فكان واحدًا، بخلاف «اليسر»؛ لأنَّ النكرة إذا كُرِّرت؛ كان الثاني بخلاف الأوَّل؛ كقولك: لفلان عليَّ ألفٌ، لفلان عليَّ ألف، يلزمه ألفان، بخلاف ما لو قال: لفلان عليَّ الألف)، انتهى.
          وقال شيخنا: (وقد ورد مرفوعًا: «لن يغلب عسر يسرين»، ثُمَّ قال: وقد رُوِيَ في «الموطأ»: أنَّ عمر كتب إلى أبي عبيدة: «أمَّا بعد؛ فإنَّه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل يسوءُه؛ يجعل الله له بعده فرجًا، ولن يغلب عسرٌ يسرين»)، انتهى.
          قوله: (وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، وإنَّما مرَّضه؛ لأنَّه لم يكن على شرطه، لم تصحَّ الطريق إليه عنده، قال شيخنا: (وهذا رواه جويبرٌ عن الضَّحَّاك عنه)، انتهى، و(جويبر): هو ابن سعيد، أبو القاسم الأزديُّ البلخيُّ المفسِّر، صاحب الضَّحَّاك، قال ابن معين: (ليس بشيء)، وقال الجوزجانيُّ: (لا يُشتَغل به)، وقال النَّسائيُّ والدارقطنيُّ: (متروك الحديث)، روى له ابن ماجه، وأمَّا (الضَّحَّاك)؛ فهو ابن مزاحم هذا المفسِّر، قال يحيى القطَّان: (كان شعبة يُنكِر أن يكون الضَّحَّاك لقيَ ابنَ عبَّاس قطُّ)، وقال أبو داود الطيالسيُّ: (حدَّثنا شعبة: سمعت عبد الملك بن ميسرة يقول: الضَّحَّاك لم يلقَ ابنَ عبَّاس، إنَّما لقيَ سعيد بن جُبَير بالرِّيِّ، فأخذ عنه التفسير، وقد تُكُلِّم فيه)، ووثَّقه أحمد وابن معين وأبو زرعة، وذكره ابن حبَّان في «الثقات»، أخرج له الأربعة، والله أعلم.