التلقيح لفهم قارئ الصحيح

سورة براءة

          (سُورَةُ بَرَاءَةَ)
          فائدةٌ هي تنبيهٌ: قيل: إنَّما لم يُبسمَل في هذه السورة؛ لأنَّها و(الأنفال) سورة واحدة، ومعنى هذا في «التِّرْمِذيِّ» في (الصلاة)، وكذا في «أبي داود»، واللفظُ للترمذيِّ عَنِ ابن عبَّاس قال: (قلتُ لعثمان بن عفَّان: ما حملَكُم على أن عمدتم إلى «براءة» وهي مِنَ المِئِين، وإلى «الأنفال» وهي مِنَ المثاني، فجعلتموهما(1) في السبع الطُّوَل، ولم تكتبوا بينهما سطر «بسم الله الرَّحمن الرحيم»؟ فقال عثمان: كان النَّبيُّ صلعم ممَّا تَنزل عليه الآياتُ، فيدعو بعضَ مَن كان يكتبُ له، ويقول: «ضع هذه الآيةَ في السورة التي يُذكَر فيها كذا»، وتنزل عليه الآية والآيتان فيقول مثل ذلك، وكانت «الأنفال» مِن أوَّل ما نزل عليه بالمدينة، وكانت «براءة» مِن آخر ما نزل مِنَ القرآن، وكانت قصَّتُها شبيهةً بقصَّتها، فظننتُ أنَّها منها، فمِن هناك وضعتُها في السبع الطول، ولم أكتب بينهما سطر: «بسم الله الرَّحمن الرحيم»)، والتِّرْمِذيُّ أيضًا في (التفسير)، والنَّسائيُّ في (فضائل القرآن)، انتهى.
          ونقل شيخُنا في (سورة اقرأ): أنَّ عبد الله بن الزُّبَير سأل عثمان عن ذلك، والله أعلم، وفي «الحاكم» عَنِ ابن عبَّاس قال: (سألتُ عليًّا عن ذلك، فقال: لأنَّ البسملةَ أمانٌ، و«براءة» نزلت بالسيف، ليس فيها أمانٌ)، قال القشيريُّ: (والصحيحُ أنَّ جبريل ما نزل بها فيها).
          قوله: (وَقَالَ: إِذَا مَا قُمْتُ...)؛ البيتَ: كذا في نسختنا الأصل هنا، وكُتِب عليه وعلى شيءٍ آخرَ غيرِه: إنَّه زائدٌ، ولفظ البُخاريِّ فيما يأتي، وقال الشاعر:
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ                     ...............
          والشاعرُ المشارُ إليه هو: المُثَقَّبُ العبديُّ، والمُثَقَّبُ؛ بضمِّ الميم، وفتح الثاء المثلَّثة، ثُمَّ قاف مشدَّدة مفتوحة، ثُمَّ مُوَحَّدَة، وهذا لقبٌ له، واسمه: عائذ بن مِحْصن، من عبد القيس، وإنَّما قيل له: المثقَّب؛ لقوله: [من الوافر]
أَرَيْنَ مَحَاسِنًا وَكَنَنَّ أُخْرَى                     وَثَقَّبْنَ الوَصَاوِصَ لِلعُيُونِ
          وقد ذكر شيخُنا في اسمه قولينِ آخرينِ معَ الأوَّل، ثُمَّ قال: (والأوَّل أثبتُ)، انتهى.
          قوله: (إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ): هو بفتح الهمزة، وإسكان الراء.
          قوله: (تَأَوَّهُ): هو بتشديد الواو المفتوحة، وضمِّ الهاء، محذوفُ إحدى التاءَين.
          قوله: (آهَةَ): هو بفتح الهمزة الممدودة، والهاء مخفَّفة، ثُمَّ تاء، منصوب، ونصبُه معروفٌ، يقال: أوَّهَ الرجلُ تأويهًا، وتأوَّه تأوُّهًا؛ إذا قال: أوَّهْ، والاسم: الآهَةُ؛ بالمدِّ، وهذا البيت الذي أنشده الإمام البُخاريُّ يروى كما قيَّدته، ويُروى: (أَهَّةَ)؛ بفتح الهمزة، وتشديد الهاء مفتوحة، ونصب التاء، مِن قولهم: أَهَّ؛ بفتح الهمز، وتشديد الهاء مفتوحة؛ إذا توجَّع، قال العجَّاج: [من الرجز]
..................                     وإِنْ تَشَكَّيْتِ أَذَى القُرُوْحِ
بأهَّةٍ كَأَهَّةِ المَجْرُوْحِ                     ..................
          قوله: (وَالْخَبَالُ(2): الْمَوْتُ): كذا في أصلنا القاهريِّ والدِّمَشْقيِّ، قال ابن قُرقُول: (كذا للجميع، والصواب: المُوتةُ؛ يعني: الجنونَ)، انتهى.
          قوله: ({كَرْهًا} و{كُرْهًا}: وَاحِدٌ): يعني: بفتح الكاف وضمِّها؛ لغتان، وهذا رأي الكسائيِّ، والفرَّاءُ يقول: الكُره؛ بالضمِّ: المشقَّة، يقال: قمتُ على كُرْهٍ؛ أي: على مشقَّة، ويقال: أقامني فلانٌ على كَرْهٍ؛ بالفتح؛ إذا أكرهكَ عليه، وسأذكره في (الإكراه) بزيادة إن شاء الله تعالى وقدَّره [خ¦89/5-10316]، وقد قرأ: {كُرْهًا} التي في (النساء)[الآية:19] وهنا حمزة والكسائيُّ بالضمِّ، والباقون بالفتح، وأمَّا التي في (الأحقاف)[الآية:15]؛ فقرأ الكوفيُّون وابن ذكوان بالضمِّ فيهما، والباقون بفتح الموضعين.
          قوله: ({أَهْوَى}: أَلْقَاهُ فِي هُوَّةٍ): (الهُوَّة): بضمِّ الهاء وتشديد الواو، ثُمَّ تاء، وهي الوَهْدة العميقة، وكذا (الأُهْويَّة) على (أُفعولة) مثلُها.
          قوله: (وَمِنْهُ: مَعْدِنٌ): هو بكسر الدال؛ وكذا قوله: (فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ)، وهذا معروف.
          قوله: (إِلَّا فَارِسٌ وَفَوَارِسُ، وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ): أهمل جموعًا أخرى ذكرها شيخُنا في «شرحه».
          قوله: (الشَّفَا: شَفِيرٌ؛ وَهُوَ حَدُّهُ): (حَدُّه): بفتح الحاء وتشديد الدال المهملتين، ثُمَّ هاء الضمير.
          قوله: (وَفَرَقًا): هو بفتح الراء، و(الفرَق): الفزع، وهذا معروف.
          قوله: (وَقَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا مَا قُمْتُ...)؛ البيت، تَقَدَّم الكلام قُبَيل هذا على الشاعر، وعلى هذا البيت؛ فانظره.


[1] في (أ): (فجعلتوها)، والمثبت من مصدره.
[2] في (أ): (الخُبال)، والمثبت من «اليونينيَّة» و(ق).