التلقيح لفهم قارئ الصحيح

المؤمن

          قوله: (مَجَازُهَا: مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ): (المجاز): الطريق والمسلك؛ أي: طريقُ أوائل السُّوَرِ ومسلكُها، والظاهر أنَّ معناه: ما قيل في أوائل السور مِنَ الحروف المقطَّعة؛ مثل: {الم}[البقرة:1]، و{الر}[يونس:1]، و{طس}[النمل:1]، وغيرها؛ يقال في هذه، والله أعلم، أو تأويل مجازها وصرف لفظها عن ظاهره، والله أعلم، قال بعض حُفَّاظ مِصْرَ: (إنَّه كلام أبي عُبَيدة في «المجاز» إلى آخر كلام شُريح).
          قوله: (لِقَوْلِ شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الْعَبْسِيِّ): (شريح): بالشين المعجمة، والحاء المهملة، و(العبسيُّ)؛ بالموحدة والسين المهملة، وكذا هو في أصلنا وفي أصلٍ لنا دمشقيٍّ، وفي آخر مصريٍّ صحيح: (شريح بن أوفى)؛ بحذف (أبي)، وقد رأيتُ في «المطالع» في الأسماء في حرف (الهمزة): (وشريح بن أوفى(1) العبسيُّ، كذا للأصيليِّ، وعند القابسيِّ: «ابن أبي أوفى(2)»، ويقالان معًا)، انتهى.
          قوله:
(يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ                     فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ)
          في {حم} خمسةُ أقوال معروفةٍ: اسم من أسماء الله تعالى أقسم به، قاله ابن عبَّاس، أوِ اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة، أو حروف مقطَّعة من أسماء الله الذي هو (الرحمن)، أو هو محمَّد، قاله جعفر بن محمَّد، أو فواتحُ السور، قاله مجاهد، {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ}[النحل:101]، وأمَّا قوله: (يُذَكِّرني حم): قيل: معناه: القرآن؛ أي: يستجير منِّي بالقرآن.
          تنبيهٌ: أنشد ابن عبد البَرِّ هذا البيتَ في ترجمة محمَّد بن طلحة بن عُبَيد الله في «الاستيعاب»، ولم يعزُه لمعيَّنٍ، إلَّا أنَّه قال: (حتَّى شدَّ عليه _أي: على محمَّد بن عليِّ بن طلحة_ رجلٌ فقتلَهُ، وأنشأ يقول...)، فذكر هذا البيت من أبياتٍ هو رابعُها، ثُمَّ ذكر اختلافًا في قاتل محمَّد بن طلحة، وقاتله الذي أنشد الشعرَ، فيجيء فيه الخلاف في [أنَّه] أنشد أبياتًا ستَّة آخرها: يذكِّرني حم البيتَ بنحو ما في «البُخاريِّ»، وعزاه لعصام بن مُقْشَعِرٍّ النصريِّ، وقد ذكر شيخنا خلافًا فيمن قتل محمَّد بن طلحة في هذا المكان؛ فانظره إن أردته، وقد ذكر النوويُّ في «مبهمات تهذيبه» فيه أقوالًا: (أحدها: عِصام النصريُّ، وقيل: كعب بن مُدْلج من بني منقذ بن طريف، وقيل: شُريح بن أبي أوفى العبسيُّ، حكاها ابن باطيش)، انتهى.
          فائدةٌ: قال الجوهريُّ: (وآل {حم}: سُوَرٌ في القرآن، قال ابن مسعود: «آلُ {حم}: دِيباجُ القرآن»، قال الفرَّاء: إنَّما هو كقولك: آل فلان وآل فلان؛ كأنَّه ينسب السُّوَر كلَّها إلى {حم}، قال الكُمَيت: [من الطويل]
وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آلِ (حم) آيَةً                     تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ
          قال: وأمَّا قول العامَّة: الحَواميم؛ فليس مِن كلام العرب، قال أبو عُبَيدة: الحَواميم: سُوَرٌ في القرآن على غير القياس، وأنشد: [من الرجز]
          وبالحَواميمِ الَّتي قد سُبِّعَتْ قال: والأَولى أن تُجمَع بـ«ذوات حاميم»)، انتهى، وسيأتي في هذا «الصحيح» في (باب تأليف القرآن): (آخرهنَّ الحواميم) من قول عَلْقمة [خ¦4996]، وعَلْقمةُ: هو ابن قيس، نَخَعيٌّ عربيٌّ، أحد الأعلام، ولد في حياة النَّبيِّ صلعم، وترجمتُهُ معروفةٌ، وفي «ابن ماجه» من حديث أبي الدرداء قال: (سجدتُ مع رسول الله صلعم إحدى عشرةَ سجدةً...) إلى أن قال: (وسجدة الحواميم)، وهذا / الآخر مِنَ الأنصار مِنَ العرب العاربة أيضًا، والله أعلم.
          قوله: (وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ): هو بالشين المعجمة، وبالجيم المكسورة، يقال: شجرَهُ بالرمح؛ أي: طعنَهُ، وتشاجروا بالرِّماح؛ أي: تطاعنوا.
          قوله: ({تَمْرَحُونَ}: تَبْطَرُونَ): هو بفتح المثنَّاة فوق، ثُمَّ مُوَحَّدَة، ثُمَّ طاء مهملة مفتوحة، و(البَطَر): الأَشَر، وهو شدَّة المرح، وقد بطِر؛ بالكسر، يبطَر؛ بفتحها.
          قوله: (وَكَانَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ يَذْكُرُ(3) النَّارَ): هو العلاء بن زياد بن مطر، أبو نصرٍ العدويُّ البصريُّ، أرسل عَنِ النَّبيِّ صلعم، وعن معاذ وأبي ذرٍّ كذلك، وعن أبي هريرة، ومطرِّف بن الشِّخِّير، والحسن البصريِّ، وعنه: قتادة، ومطرٌ الورَّاق، وأرسل عنه: هشام بن حسَّان، وحمَّاد بن زيد، وجماعةٌ، وكان أحدَ العبَّاد، فعن قتادة قال: بكى زياد بن مطر حتَّى عَمِيَ، وبكى ابنه العلاء حتَّى غَشِيَ بصره، وكان إذا أراد أن يتكلَّم أو يقرأ؛ جَهَشَهُ البكاء، مناقبُهُ كثيرةٌ، قال ابن حبَّان في «ثقاته»: (كان من عُبَّاد أهل البصرة وقرَّائهم)، (مات بالشام سنة «94هـ»)، أخرج له النَّسائيُّ وابن ماجه، وعلَّق له البُخاريُّ كما ترى، وأخرج له أبو داود في «المراسيل»، قال الذهبيُّ: (قلتُ: والعلاء بن زياد آخَر، خلَطَهما شيخنا المِزِّيُّ، وهذا عَنِ الحسن، وعنه: حمَّاد بن زيد)، انتهى، وقد ذكر الذهبيُّ في «تذهيبه» في ترجمة العلاء بن زياد العابد: حمَّاد بن زيد، عن أيوبَ وهشامٍ والعلاء بن زياد، عَنِ الحسن، عَنِ الأحنف بن قيس، عن أبي بكرة، عن النَّبيِّ صلعم: «إذا التقى المسلمانِ بسيفَيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار» قال الذهبيُّ: (قلتُ: العلاء بن زياد في هذا الحديث رجلٌ آخرُ متأخِّرٌ، لقِيَه حمَّاد بن زيد، والله أعلم)، انتهى.
          قوله: (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟): هذا الرجل لا أعرفه.
          قوله: (لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟): (لِمَ): بفتح الميم، استفهامٌ، وهذا ظاهرٌ جدًّا، (وتقنِّط): مرفوع؛ لأنَّه لم يتَقَدَّمه ناصب ولا جازم، وهذا ظاهرٌ.
          قوله: (أَنْ تُبَشَّرُوا): هو بضمِّ أوَّله، وفتح الشين المعجمة المشدَّدة، مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ.


[1] في (أ): (أبي أوفى)، والمثبت من مصدرِه وغيرِه.
[2] في (أ): (أوفى)، والمثبت من مصدرِه وغيرِه.
[3] كذا في (أ) و(ق)، وهي رواية غير أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة»: (يُذَكِّرُ).