التلقيح لفهم قارئ الصحيح

سورة النحل

          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمِيدُ: تُكْفَأُ(1)): قال ابن التِّين _كما نقله شيخُنا عنه_: (ضبطه بعضُهم بضمِّ التاء وتخفيف الفاء، وبفتح التاء وتشديد الفاء، وهو أشبهُ)، انتهى، وهو مهموزُ الآخرِ، وهذا الضبط الثاني هو في أصلنا.
          قوله: ({مُّفْرَطُونَ}: مَنْسِيُّونَ): {مُّفْرَطُونَ}: بفتح الراء، وهذا التفسيرُ لهذه القراءةِ، وقد قرأ بفتح الراء مَن عدا نافعًا، وهم السِّتَّة، وقرأ نافعٌ بكسر الراء؛ ومعنى: (منسيُّون)؛ أي: متروكون في النار، وأمَّا مَن قرأ بكسرها؛ فمعناه: مبالغون في الإساءة، والله أعلم.
          قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}) إلى آخره: قال بعض حُفَّاظ مِصْرَ: (أشار إلى هذا المعنى أبو عُبَيدة في «المجاز»، ونقله ابن جرير عن بعض أهل العربيَّة مبهمًا، وردَّه على قائله).
          قوله: (هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ): وذلك أنَّ الاستعاذةَ قبل القراءة، ما قاله هنا هو ما عليه الأكثرون، وقد رُوِيَ عن أبي هريرة ☺ وداودَ ومالكٍ: أنَّهم قالوا: إنَّها بعدها؛ أخذًا بظاهر الآية، والله أعلم، وقال بعضهم: (وعليه مِنَ القرَّاء حمزةُ)، انتهى.
          قوله: ({شَاكِلَتِهِ}: نَاحِيَتِهِ): كذا في أصلنا، وكُتب عليه زائد، وهو ثابت في بعض النسخ هنا، وهذه اللفظة في (سُبْحَانَ)، لا في هذه السورة.
          قوله: ({فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً}، وَهيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، وَكَذَلِكَ النَّعَمُ، الْأَنْعَامُ(2): جَمَاعَةُ النَّعَمِ)، انتهى، فصريحُ كلامه أنَّ (النَّعَم) أيضًا تُؤنَّث وتُذكَّر، وهو فائدة، وسيجيء مَن ذكره، والذي في «الصحاح»: (والنَّعَم: واحد الأنعام؛ وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، قال الفرَّاء: هو ذكر لا يُؤنَّث، يقولون: هذا نَعَمٌ واردٌ، ويُجمَع على نُعمان؛ مثل: حَمَل وحُملان، والأنعام: تذكَّر وتؤنَّث، قال الله ╡ في موضع: {مِّمَّا فِي بُطُونِهِ}[النحل:66]، وفي موضع: {مِّمَّا فِي بُطُونِهَا}[المؤمنون:21]، وجمع الجمع: أناعيم...) إلى آخر كلامه، ثُمَّ إنِّي رأيتُ أنَّ (النَّعَم) تُؤنَّث وتُذكَّر، حكاها ابن دُرَيد في «الجمهرة»، والمطرزيُّ في «المُغْرِب»، وهذا الإمام البُخاريُّ قد حكاها هنا، وقد تَقَدَّم أنَّ الفرَّاء قال: (لا تُؤنَّث)، وهؤلاء مثبتون، وهو نافٍ، فكلامهم مقدَّم على كلامه؛ لأنَّ معهم زيادةَ علمٍ، والله أعلم.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ صَدَقَةَ): قال شيخُنا: (ابن عُيَينة حكاه عن صدَقة عن السُّدِّيِّ، كذا أخرجه الطبريُّ وابن أبي حاتم)، انتهى، و(صَدَقة) هذا: يحتمل أن يكون صدقةَ بن يسار الجزريَّ نزيل مَكَّة، يروي عَنِ ابن عمر، وطاووس، وسعيد بن جُبَير، وجماعةٍ، والزُّهريِّ وهو مِن أقرانه، وعنه: ابن إسحاق، وشعبة، ومالك، والسُّفيانان، وجماعةٌ، وثَّقه أحمد وابن معين، قال أبو داود: (كان متوحِّشًا، يصلي جمعةً بمَكَّة وجمعةً بالمدينة)، وقال ابن عُيَينة: (قلتُ له: يزعُمون أنَّكم خوارج، قال: كنت منهم، غير أنَّ الله تعالى عافاني)، قال ابن سعد: (تُوُفِّيَ في أوَّل خلافة بني العبَّاس)، انتهى، له ترجمة في «الميزان»، وقد صحَّح عليه، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، والله أعلم.
          وأوَّل خلفاء بني العبَّاس السَّفَّاحُ عبدُ الله بن محمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس، وقد بُويع ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
          قوله: (هِيَ خَرْقَاءُ...) إلى آخره: هذه المرأة هي ريطة بنت [عمرو بن] كعب، وذكر السُّهيليُّ: أنَّها بنت سعد بن زيد مناة، وجزم به ابن التِّين، وزعم غيرُه: أنَّها رَيطة بنت عمرو بن سعد، قال ابن شيخنا البلقينيِّ: (وروى ابن مردويه في «تفسيره» عَنِ ابن عبَّاس: أنَّها نزلت في التي كانت تُصرَع، وخيَّرها النَّبيُّ صلعم بين الصبر والدعاء لها، فاختارتِ الصبرَ والجنَّةَ، قال: وهذه المجنونة سُعَيرة(3) الأسديَّة)، انتهى، وقد رأيتُ في كلام المحبِّ الطبريِّ: أنَّ الجعرانة لقب رَيطة بنت سعيد بن زيدٍ، وكانت من قريش، وهي المشار إليها في قوله تعالى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا}[النحل:92 / حُكِيَ ذلك عن السُّهيليِّ في «الأعلام»، انتهى، وهي خرقاء كانت تغزل الصوف وتأمر جواريَها بذلك إلى نصف النهار، ثُمَّ تنقض ما غُزِل في النصفِ الآخرِ، وقال بعض حفَّاظ المِصْريِّين: (قال مقاتل: هي ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، ذكره السُّهيليُّ، قلتُ: وذكره البلاذريُّ وغيرُه أيضًا، وزاد: أنَّ لقبها الحظياء، قالوا: وهي والدة أسد بن عبد العُزَّى بن قصيٍّ، وفي «تفسير ابن مردويه»: أنَّها المجنونة التي كانت تُصرَع، فدعا لها ◙ بالصبر، واسمها: سُعَيرة الأسديَّة، أخرجه من طريق ابن عبَّاس بسندٍ ضعيفٍ، وسيأتي في «الطب» أنَّها أمُّ زُفَر [خ¦5652]).


[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و(ق): (تَكَفَّأُ).
[2] كذا في (أ) و(ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة»: (للأنعام).
[3] في (أ): (سعيدة)، ولعلَّ المثبت هو الصواب، وستأتي من كلام المصنِّف على الصواب.