التلقيح لفهم قارئ الصحيح

{لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم}

          قوله: (أَنَى يَأْنِي أَنَاةً): وفي نسخة: (أَنَى يَأْنِي أنًى)، قال الدِّمْياطيُّ: (الوجه: أنْيًا)، انتهى، وفي «الصحاح»: (أنى يأني إنًى؛ أي: حان، وأَنَى أيضًا: أدرك، قال ╡: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}، يقال: أنى الحميم؛ أي: انتهى حرُّه، ومنه قوله ╡: {بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}[الرَّحمن:44]، وآناه يؤْنيه إيْناءً؛ أي: أخَّرَه، وحبسه، وأبطأه، والاسم منه: الأَناء...) إلى أن قال: (وتأنَّى في الأمر؛ أي: ترفَّق وتنظَّر، واستأنى [به]؛ أي: انتظر به(1)، يقال: استُؤنِيَ به حولًا، والاسم الأَنَاةُ؛ مثل: قَنَاةٍ)، انتهى.
          فقول البُخاريِّ: (أَنَى يَأْنِي أَنَاةً) لم يذكر فيها الجوهريُّ إلَّا (إنًى)، وأمَّا (أناة) وإن كانت مِنَ المادَّة إلَّا أنَّها مصدرٌ مِنِ (استأنى)؛ بمعنى: ترفَّق وانتظر، فما عمله الجوهريُّ لم يكن ما في الأصل ولا ما في الهامش موافقًا له، والله أعلم.
          قوله: ({لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}: إِذَا وَصَفْتَ صِفَةَ الْمُؤَنَّثِ؛ قُلْتَ: قَرِيبَةً، وَإِذَا جَعَلْتَهُ ظَرْفًا وَبَدَلًا وَلَمْ تُرِدِ الصِّفَةَ؛ نَزَعْتَ الْهَاءَ مِنَ الْمُؤَنَّثِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُهَا فِي الْوَاحِدِ والاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ، لِلذَّكَرِ وَالأُنْثَى)، انتهى: هذا لفظه، وهو كلام حسنٌ، قال بعض حُفَّاظ مِصْرَ: (يقال: {إِنَاهُ}: إدراكه...) إلى آخره، وفيه الكلام على قوله: {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}، (هو قول أبي عُبَيدة في «المجاز»)، انتهى، وكنتُ قد رأيتُ في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:56] هذا الجوابَ، أو يقال: إنَّ (فعيلًا) يوصف به المؤنَّث بلا علامة تأنيث كما يوصف به المذكَّر؛ نحو: امرأة قتيل، وكفٌّ خضيب، وقد قال الجوهريُّ: (وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ}، ولم يقل: قريبة؛ لأنَّه سبحانه أراد بـ«الرحمة»: الإحسانَ، ولأنَّ ما لا يكون تأنيثُهُ حقيقيًا؛ جاز تذكيرُهُ، وقال الفرَّاء: «إذا كان القريب في معنى المسافة؛ يُذكَّر ويُؤنَّث، وإذا كان في معنى النسب؛ يؤنَّث بلا خلاف بينهم»)، انتهى، وقال الزمخشريُّ: ([وإنَّما ذُكِّر] {قَرِيبٌ} على تأويل «الرحمة» بالرحم أو الترحُّم، أو لأنَّه صفةُ موصوفٍ محذوفٍ؛ أي: شيءٌ قريبٌ، أو على تشبيهه(2) بـ«فعيل» الذي هو بمعنى «مفعول»، كما كان ذلك به، فقيل: قُتَلاء وأُسَراء، أو على أنَّه بزِنَة المصدر الذي هو النقيض والضغيب، أو لأنَّ تأنيث «الرحمة» غيرُ حقيقيٍّ)، انتهى.


[1] في (أ): (انتظرته)؛ بنقط التاء، والمثبت موافق لما في مصدره.
[2] في (أ): (تشبيه) والمثبت من مصدره.