التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين

          4478- قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفضل بنُ دُكَين الحافظُ، و(سُفْيَانُ) بعده: هو الثوريُّ، كما نصَّ عليه المِزِّيُّ، سفيان بن سعيد بن مسروق، و(عَبْدُ الْمَلِكِ) بعده: هو ابن عُميرٍ، و(سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ): أحد العشرة المشهود لهم بالجنَّة، وهو سعيد بن زيد بن عَمرو بن نُفيلٍ القرشيُّ، وتَقَدَّم أنَّ في الصَّحابة شخصًا آخر يقال له: سعيد بن زيد الأنصاريُّ الأشهليُّ، وقيل فيه: سعد بن زيد، أهدى سيفًا إلى النَّبيِّ صلعم مِن نَجْران، فأعطاه محمَّدَ بن سلمة، وإسناده ضعيفٌ [خ¦2452]، فلهذا ميَّزتُ راويَ الحديث، والله أعلم.
          قوله: (الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ): (الكَمْأَة)؛ بفتح الكاف، وإسكان الميم، ثُمَّ همزة مفتوحة، و(الكَمْأَة): جمعٌ، واحده: (كَمْءٌ)، وهذا خلافُ قياسِ العربيَّة، فإنَّ ما بينه وبين واحده التاءُ؛ فالواحد منه بالتاء، وإذا حُذِفت؛ كان جمعًا، وهل هو جمع أو اسم جمع؟ على قولَينِ مشهورَينِ، قالوا: ولم يخرج عَن هذا إلَّا حرفان: كمأة وكمء، وخبأة وخبء، قاله ابن الأعرابيِّ، وقال غيره: بل هي على القياس، و(الكَمْأَة): للواحد، و(الكَمْء): للكثير، وقال غيرهما: الكَمْأَة: تكون واحدًا وجمعًا، والحججُ لكلِّ قولٍ ليس هذا موضعَه.
          قوله: (مِنَ الْمَنِّ) أي: مِنَ المنِّ الذي أُنزِل على بني إسرائيل، كما رواه مسلم، وقيل: مِن جنسه، شبَّهها بالمنِّ الذي أُنزِل على بني إسرائيل؛ لأنَّها لا تُغرَس، ولا تُسقَى، ولا تُعتَمل كما يُعتَمل سائرُ النبات؛ نبات الأرض، وقد يكون معناها هنا: مِن مَنِّ الله، وتطوُّله، وفضله، ورِفقه بعباده؛ إذ هي مِن جملة نِعَمِه.
          قوله: (وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ): قيل: هو نفس الماء مجرَّدًا، وقيل: معناه: أن يُخلَط ماؤها بدواء تُعالَجُ به العين، وقيل: إن كان لبرودة ما في العين [مِن] حرارةٍ(1)؛ فماؤها مجرَّدًا شفاءٌ، وإن كان لغير ذلك؛ فمركَّبٌ مع غيره، والصحيح بل الصواب _كما قاله النوويُّ في «شرح مسلم»_ أنَّ ماءها مجرَّدًا شفاءٌ للعين مطلقًا، فيُعصَر ماؤها، ويُجعَل في العين منه، قال: (وقد رأيتُ أنا وغيري في زماننا مَن كان عُمِيَ وذهب بصرُه حقيقةً، فكحل عينَيه بماء الكَمْأَة مجرَّدًا، فشُفِيَ وعاد إليه بصرُهُ، وهو الشيخ العدل الكمال ابن عبْدٍ الدِّمَشْقيُّ، صاحبُ صلاحٍ وروايةٍ للحديث، وكان استعمالُهُ لماء الكَمْأَة اعتقادًا في الحديث وتبرُّكًا به، والله أعلم)، انتهى. /
          ونقل ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهَدْي» قولًا آخر، وهو: أنَّ المراد بمائها: الماءُ الذي تحدث به مِنَ المطر، وهو أوَّل مطرٍ ينزلُ إلى الأرض، فتكون الإضافةُ إضافةَ اقترانٍ، لا إضافةَ جُزءٍ، ذكره ابن الجوزيِّ، قال ابن القيِّم: (وهو أبعد الوجوه وأضعفُها)، انتهى.


[1] في (أ): (بحرارة)، والمثبت من مصدره.