شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الإنصات للعلماء

          ░43▒ باب الإنْصَات لِلْعُلَمَاءِ. /
          فيه: جَرِير أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (اسْتَنْصِتِ النَّاسَ، فَقَالَ: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ). [خ¦121]
          قال أبو الزناد: الإنصات للعلماء والتوقير لهم لازم للمتعلمين لأن العلماء ورثة الأنبياء، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين ألا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي ولا يجهروا له بالقول خوف حبوط أعمالهم، وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي صلعم أمر الناس بالسكوت وقرأ: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي}[الحجرات:2]ويتأول أنه يجب من الإنصات والتوقير عند قراءة حديث الرسول صلعم مثل ما يجب له ◙، فكذلك يجب توقير العلماء والإنصات لهم لأنهم الذين يحيون سنته صلعم(1) ويقومون بشريعته، وقال(2) شريك: كان الأعمش لا يتجاوز صوتُه مجلسَهُ إجلالًا للعلم، وقال مُطَرِّف: كان مالك إذا أراد الحديث عن النبي صلعم اغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جددًا ثم تحدث إجلالًا لحديثه صلعم، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قَتادة قال: كان يُستحب أن لا تقرأ(3) أحاديث النبي إلا على وضوءٍ، قال شعبة: وكان قَتادة لا يحدث عن رسول الله صلعم إلا وهو على طهارة، وحكى مالك عن جعفر بن محمد مثله، وكان الأعمش إذا أراد أن يحدث وهو على غير وضوء تَيَمَّمَ، وقال ابن أبي الزناد: ذكر سعيد بن المسيب حديثًا عن رسول الله صلعم وهو مريض فقال: أجلسوني، فإني أُعْظِمُ أن أحدث حديث رسول الله صلعم وأنا مضطجع، وقال ابن أبي أويس: كان مالك إذا جلس للحديث يقول: لِيَلِني منكم ذوو الأحلام والنهى، فربما قعد القَعْنَبي عن يمينه، وهذا كله من إجلال النبي صلعم وتوقيره.


[1] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((فقال)).
[3] في (ص): ((يقرأ)).