شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين

          ░13▒ باب مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ.
          فيه: مُعَاوِيَة، سَمِعْتُ النبي صلعم(1) يَقُولُ: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللهُ ╡(2) يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأمَّةُ قَائِمَةً على أَمْرِ اللهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ ╡(3)). [خ¦71]
          فيه فضل العلماء على سائر الناس، وفيه فضل الفقه في الدين على سائر العلوم، وإنما ثبت فضله لأنه يقود إلى خشية الله والتزام طاعته وتجنب معاصيه، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28]وقال ابن عمر للذي قال له فقيه: إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة. ولمعرفة العلماء بما وعد الله به(4) الطائعين وأوعد العاصين، ولعظيم(5) نعم الله على عباده؛ اشتدت خشيتهم.
          وقوله: (إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ) يدل أنه لم يستأثر بشيء(6) من مال الله دونهم، وكذلك قوله صلعم(7): ((مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم)) وإنما قال: (إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ) تطييبًا لنفوسهم لمفاضلته في العطاء.
          وقوله صلعم: (وَاللهُ يُعْطِي) أي والله(8) يعطيكم ما أقسمُهُ عليكم لا أنا، فمن قسمت له قليلًا فذلك بقدر الله له(9)، ومن قسمت له كثيرًا بقدرٍ(10) أيضًا وبما(11) سبق له في أمِّ الكتاب، فلا يزاد أحدٌ في رزقه كما لا يزاد أحدٌ(12) في أجله.
          وقوله: (وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأمَّةُ قَائِمَةً على أَمْرِ اللهِ) يريد(13) أن أمته آخر الأمم، وأن عليها تقوم الساعة، وإن ظهرت أشراطها وضعُف الدين فلا بد أن يبقى من أمته من يقوم به، والدليل على ذلك قوله: (لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ) وفيه أن الإسلام لا يذِلُّ وإن كثر مطالبوه، فإن قيل: فقد روى عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس عن النبي صلعم(14) أنه(15) قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقول أحد: الله الله)) وروى ابن مسعود أن النبي صلعم(16) قال: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس)) رواه شعبة عن علي بن الأقمر / عن أبي الأحوص عن عبد الله، وهذه معارضة لحديث معاوية.
          قال الطبري: ولا تعارض(17) بينهما بحمد الله بل يحقق بعضها بعضًا، وذلك أن هذه الأحاديث خرج لفظها على العموم والمراد منها الخصوص، ومعناه لا تقوم الساعة على أحدٍ يُوحد الله إلا بموضع(18) كذا، فإن به طائفة على الحق، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بموضع كذا، لأن حديث معاوية ثابت ولا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحق هي التي توحد الله هي(19) شرار الناس، فثبت أن الموصوفين بأنهم شرار الناس غير الموصوفين بأنهم على الحق مقيمون، وقد جاء ذلك بَيِّنًا في حديث أبي أمامة الباهلي وحديث(20) عِمْرَان بن حصين. قال الطبري: حدثنا محمد بن الفرج، حدثنا ضَمْرَة بن ربيعة، حدثنا يحيى بن أبي عَمْرو الشيباني عن عَمْرو بن عبد الله الحمصي عن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلعم قال: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، قيل: فأين(21) هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس أو أكناف بيت المقدس)) وروى قَتادة عن مُطَرِّف بن الشِّخِّير عن عِمْرَان بن حصين عن النبي(22) صلعم(23) قال: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال)) قال مُطَرِّف: وكانوا(24) يرون أنهم أهل الشام.


[1] في (ص): ((سمعت الرسول)).
[2] قوله ((╡)) ليس في (م) و (ص).
[3] قوله ((╡)) ليس في (م).
[4] زاد في (م): ((عباده)).
[5] في (م): ((وعظيم)).
[6] قوله: ((بشيء)) زيادة من (م) و (ص).
[7] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[8] في (م): ((أي الله)).
[9] قوله ((له)) ليس في (م).
[10] في (ص): ((فبقدر)).
[11] في (م): ((ومما)).
[12] قوله ((أحد)) ليس في (م).
[13] في (م): ((يدل)).
[14] في (ص): ((عن الرسول)).
[15] قوله ((أنه)) ليس في (م).
[16] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[17] في (ص): ((ولا معارضة)).
[18] في (م): ((إلا في موضع)).
[19] في (م): ((هي التي لا توحد الله والتي هي))، وفي (ص): ((التي توحد الله التي هي شرار الناس))
[20] في (ص): ((وبحديث)).
[21] في (م): ((وأين)).
[22] في (ص): ((الرسول)).
[23] زاد في (م) و (ص): ((أنه)).
[24] في (م): ((وكانوا)).