شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: اللهم علمه الكتاب

          ░17▒ باب قَوْل النبي صلعم: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ).
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ صلعم(1) وَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ). [خ¦75]
          والكتاب هاهنا القرآن عند أهل التأويل، قالوا: كل موضع ذَكَر الله تعالى فيه الكتاب فالمراد به القرآن، وفيه بركة دعوة النبي صلعم لأن ابن عباس كان من الأخيار الراسخين في علم القرآن(2) والسنة، أجيبت فيه الدعوة، وفيه الحضُّ على تعلم القرآن والدعاءُ إلى الله تعالى في ذلك، وروى البخاري هذا الحديث في فضائل الصحابة وقال فيه: (اللَّهُمَّ علمه الحكمة) ووقع في كتاب الوضوء: (اللَّهُمَّ فقهه في الدين) وتأويل(3) جماعة من الصحابة والتابعين في قوله تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة:269]أنها القرآن، / وتأولوا في قوله: {وَيُعَلِّمُكم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[الْبَقَرَة:151]أنها السنة التي سنها النبي صلعم(4) بوحي من الله تعالى إليه، وكلا التأويلين صحيح؛ وذلك أن القرآن حكمة أحكم الله فيه لعباده حلاله وحرامه، وبَيَّن لهم فيه أمره ونهيه، فهو كما وصفه تعالى في قوله: {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ. حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ}[القمر:4-5]وكذلك سنن رسول الله صلعم حكمة، فَصَل بها بين الحق والباطل، وبيَّن لهم مجمل القرآن ومعانيَ التنزيل والفقهَ في الدين، فهو كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلعم(5)، فالمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ.


[1] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[2] في (م): ((في العلم بالقرآن)).
[3] في (م) و (ص): ((وتأول)).
[4] في (ص): ((سنها الرسول)).
[5] في (ص): ((وسنة نبيه ◙)).