شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تعليم الرجل أمته وأهله

          ░31▒ باب تَعْلِيم الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ
          فيه: أَبُو مُوسَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ(1) صلعم(2): (ثَلاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلعم، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ(3) تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ) ثُمَّ قَالَ الشَّعبي: أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وقَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إلى الْمَدِينَةِ. [خ¦97]
          قال المؤلف: قوله صلعم: (مُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْن) هو كقوله صلعم: ((إذا أسلم فحسن إسلامه كتبت له كل حسنة كان زلَفها)) وكقوله لحَكِيم بن حِزَام: ((أسلمتَ على ما سَلَفَ من خير)) والعبد المملوك له أجر عبادته لله تعالى وأجر طاعته لسيده وتحمله مضض العبودية والإذعان لحقوق الرق، والذي يعتق أمته فيتزوجها(4) فله أجر العتق والتزويج وأجر التأديب والتعليم، ومن فعل هذا فهو مفارقٌ للكبر آخِذٌ بحظٍ وافرٍ من التواضع وتاركٌ للمباهاةِ(5) بنكاح ذات شرفٍ ومنصب.
          وقول الشَّعبي: (أَعْطَيْنَاكَها بِغَيرِ شَيْءٍ) فيه أن للعالم أن يُعرِّف المتعلم منه قدر ما أفاده من العلم وما خصه به ليكون ذلك أدعى لحفظه وأجلب لحرصه، وقوله: (وقد كان يرحل في مثلها إلى المدينة) فيه إثبات(6) فضل المدينة وأنها معدِن العلم وموطنه وإليها كان يرحل في طلبه ويقصد في اقتباسه، فإن احتج بقوله (ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا) من قال: إن عتق الأمة صداقها، فيقال له: إن الأمة لما عتقت لحقت بالحرائر، فكما لا يجوز أن يتزوج حرة غير معتقة دون صداق كذلك لا يجوز أن يتزوج المعتقة بغير صداق؛ لأن الصداق من فرائض النكاح وإنما لم يذكر في الحديث للعلم به.


[1] في (م): ((النبي)).
[2] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[3] في (م): ((وأحسن)).
[4] في (م): ((فيزوجها)).
[5] في (م): ((المباهاة)).
[6] في (ز): ((إتيان)) والمثبت من (م) و (ص).