شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من رفع صوته بالعلم

          ░3▒ باب مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعِلْمِ.
          فيه: عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرٍو، قَالَ(1): تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبيُّ(2) صلعم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا(3) الصَّلاةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ على أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعلى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لِلأعْقَابِ مِنَ النَّارِ) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. [خ¦60]
          وهذا حجة(4) في جواز رفع الصوت في المناظرة بالعلم، وذكر ابن عيينة قال: مررت بأبي حنيفة وهو مع أصحابه وقد ارتفعت أصواتهم بالعلم.
          وقال ابن السِّكِّيْت: أرهقَنَا الصلاةُ استأخرْنا عنها حتى دنا وقت الأخرى، وأرهقَنا الليلُ دنا منا، وأرهقَنا القوم لحقونا.
          وقال(5) المؤلف: إنما ترك أصحاب النبي(6) صلعم الصلاة في الوقت الفاضل والله أعلم لأنهم كانوا على طمع من أن يأتي النبي(7) صلعم ليصلوا معه لفضل الصلاة معه، فلما ضاق عليهم الوقت وخشوا فواته توضؤوا مستعجلين ولم يبالغوا في وضوئهم، فأدركهم(8) صلعم وهم على ذلك، فزجرهم وأنكر عليهم نقصهم للوضوء بقوله: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّار) ففيه من الفقه أن للعالم أن ينكر ما رآه من التضييع للفرائض والسنن، وأن يغلظ القول في ذلك ويرفع صوته بالإنكار، وفيه تكرار المسألة توكيدًا لها ومبالغة في وجوبها.


[1] قوله ((قال)) ليس في (م).
[2] في (ص): ((الرسول)).
[3] في (م): ((أرهقنا)).
[4] في (م): ((قال المؤلف: هذا الحديث حجة)).
[5] في (م): ((قال)).
[6] في (ص): ((الرسول)).
[7] في (ص): ((الرسول)).
[8] زاد في (ص): ((الرسول)).