شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كيف يقبض العلم

          ░34▒ باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ؟
          وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلعم(1) فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ(2) دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلا تَقْبَلْ إِلا حَدِيثَ النَّبِيِّ صلعم، وَلْيُفْشُوا الْعِلْمَ، وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لا يَعْلَمُ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ لا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا.
          فيه: عَبْدُ الله بْنِ عَمْرِو، قَالَ النَّبِيُّ صلعم(3): (إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا). [خ¦100]
          قال المؤلف: في أمر عُمَر بن عبد العزيز بكتاب حديث النبي صلعم خاصَّة وأن لا يقبل غيره الحضُّ على اتباع السنن وضبطها؛ إذ هي الحجةُ عند الاختلاف، وإليها يلجأ عند التنازع، فإذا عَدِمَت السنن ساغ لأهل العلم النظر والاجتهاد على الأصول، وفيه أنه ينبغي للعالم(4) نشر العلم وإذاعته.
          وقوله ◙: (إِنَّ اللهَ لا يَنْتَزِعُ(5) العِلْمَ مِنَ الْعِبَادِ) فمعنى ذلك أن الله لا يهب العلم لخلقه ثم ينتزعه بعد أن تفضَّل به عليهم، والله يَتَعَالى أن يسترجع ما وهب لعباده من علمه الذي يؤدي إلى معرفته والإيمان به وبرسله، وإنما يكون قبض العلم بتضييع التعلُّم فلا يوجد فيمن يبقى من يَخْلُفُ من(6) مضى، وقد أنذر ◙ بقبض الخير كله، ولا ينطق عن الهوى.


[1] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[2] في (م): ((أخاف)).
[3] في (ص): ((قال ◙)).
[4] في (م): ((للعلماء)) ونبه في (ص) إليه في نسخة.
[5] في (ص): ((ينزع)).
[6] في (ص): ((ممن)).