شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب السمر بالعلم

          ░41▒ باب السَّمَر فِي الْعِلْمِ.
          فيه: ابْن عُمَرَ، صَلَّى النبي صلعم(1) الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ على ظَهْرِ الأرْضِ أَحَدٌ). [خ¦116]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ:(بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النبي صلعم، وَكَانَ النبي صلعم(2) عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النبي صلعم(3) الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ إلى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ: نَامَ الْغُلَيِّمُ _أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا_ ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ _أَوْ خَطِيطَهُ_ ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ). [خ¦117]
          فيه: أن السَّمَر بالعلم والخير مباح، ألا ترى أن النبي صلعم(4) أخبرهم بعد العشاء أنه لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد إلى رأس مائة سنة، وإنما أراد _والله أعلم_ أن هذه المدة تخترم(5) الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أنها ليست تطول أعمارهم كأعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة، وقد سمر السلف الصالح في مذاكرة العلم، وقد(6) روى شريك عن ليث عن أبي بُرْدَة عن أبي موسى الأشعري قال: أتيت عمر أكلمه في حاجة بعد العشاء، فقال: هذه الساعة؟ فقلت(7): إنه شيء من الفقه، قال: نعم، فكلمته(8)، فذهبت لأقوم فقال: اجلس، فقلت: الصلاة، فقال: إِنَّا في صلاة، فلم نزل جلوسًا حتى طلع الفجر، حدثنا به محمد بن حسان قال: حدثنا محمد بن معاوية القرشي قال: حدثنا ابن يحيى الْمَرْوَزِي قال: حدثنا عاصم بن علي(9) عن شريك. واختلف قول مالك في هذه المسألة فقال مرة: الصلاة أحبُّ إليَّ من مذاكرة العلم(10)، وقال في موضع آخر:العناية(11) بالعلم أفضل إذا صحت النية، ويذكر عن سُحنون أنه قال: يلتزم أثقلهما عليه.
          وقال أبو الزناد: السَّامِر في بيت ميمونة كان ابن عباس، وفيه من فضل ابن عباس وحذقه على صغر سِنِّه أنه رصد النبي(12) صلعم طول ليلته، يدل على ذلك قوله في الحديث: (فصلى أربع ركعات ثم نام، ثم قام، ثم قال: نام الغُلَيِّمُ؟) مستفهمًا لميمونة، وذكر أنه عاين أفعال النبي صلعم كلها طول ليلته، وقد جاء هذا المعنى في بعض طرق الحديث، ذُكر في كتاب الدعاء في باب الدعاء إذا انتبه من الليل عن ابن عباس قال: (نام النبي صلعم(13) عند ميمونة، ثم قام فتوضأ وضوءًا بين وضوءين لم يُكْثِر وقد أَبْلغَ، فصلى فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أرصده(14)، فتوضأت فقمت(15) عن يساره) وذكر(16) الحديث، وقيل: إن العباس كان أوصاه بمراعاة النبي صلعم ليطلع على عمله بالليل. / وإنما يُكره السَّمَرُ إذا كان في غير طاعة، وأحبوا أن يجعلوا الصلاة آخر أعمالهم بالليل، وكرهوا الحديث بعد العتمة لأن النوم وفاة، فأحبوا أن يناموا على خير أعمالهم، وقد كان ابن عمر إذا تكلم أو قضى شيئًا من أموره قبل نومه قام فصلى ثم نام، ولم يفعل بين نومه وصلاته شيئًا، وقد ذكر(17) البخاري هذا الحديث في كتاب الصلاة، والغطيط صوت النائم، قال صاحب «العين»: غَطَّ النائم يَغُطُّ غطيطًا، ابن دريد: غطيط النائم أَعلى من النخير، وكذلك المخنوق والمذبوح، وقوله: (أو خَطِيْطُهُ) شك من المحدث، ولم أجدها عند أهل اللغة بالخاء، والله أعلم.


[1] في (ص): ((صلى الرسول)).
[2] في (ص): ((وكان ◙)).
[3] قوله: ((صلعم)).
[4] في (ص): ((أنه ◙)).
[5] في (ز): ((تخترمن)) والمثبت من (م) و (ص).
[6] قوله: ((وقد)) ليس في (م).
[7] زاد في (م): ((له)).
[8] زاد في (م): ((قال)).
[9] في (ز) و (ص): ((علقمة)) والمثبت من (م).
[10] في (م): ((الفقه)).
[11] في (م) و (ص): ((إن العناية)).
[12] في (ص): ((الرسول)).
[13] في (م): ((◙)).
[14] في (م): ((أتقيه)).
[15] في (ص): ((وقمت)).
[16] قوله ((وذكر)) ليس في (م).
[17] في (م): ((كرر)).