شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: رب مبلغ أوعى من سامع

          ░9▒ باب قَوْلِ النبي(1) صلعم: (رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ)
          فيه: أَبُو بَكْرَةَ: (قَعَدَ النبي صلعم على بَعِيرٍ(2) وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ _أَوْ بِزِمَامِهِ_ قَالَ: أيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيَرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟(3) قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى / أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ). [خ¦67]
          قال المُهَلَّب: فيه من الفقه أن العالم واجب عليه تبليغ العلم لمن لم يَبْلُغْه، وتبيينه لمن لا(4) يفهمه، وهو الميثاق الذي أخذه الله ╡ على العلماء لَيُبيننَّهُ للناس ولا يكتمونه، قال المؤلف: وسأتقصى(5) شرح هذا المعنى في باب قوله: (ليبلغ(6) الشاهد الغائب) بعد هذا إن شاء الله تعالى. قال المُهَلَّب: وفيه أنه قد يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه إلا أن ذلك يكون في الأقل لأن «رُبَّ» موضوعة للتقليل و«عسى» موضوعها للطمع(7) وليست لتحقيق الشيء، وفيه أن حامل الحديث والعلم يجوز أن يُؤخذ عنه وإن كان جاهلًا بمعناه(8)، وهو مأجور في تبليغه(9) محسوب في زمرة أهل العلم إن شاء الله تعالى(10). قال أبو الزناد: وفيه جواز القعود على ظهور الدواب إذا احتيج إلى ذلك ولم يكن لأَشَرٍ لقوله ◙: ((لا تتخذوا ظهور الدواب مجالس(11))) وإنما خطب على البعير ليُسمِع الناس، وإنما أمسك إنسان بخِطامه ليتفرغ للحديث ولا يشتغل عنه(12) بإمساك البعير. قال المُهَلَّب: وفيه أن ما كان حرامًا فيجب على العالم أن يؤكد حرمته ويغلظ في التحظير عليه بأبلغ ما يجد بالمعنى والمعنيين والثلاثة كما فعل النبي صلعم في قوله: (كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا).


[1] في (ص): ((الرسول)).
[2] في (م) و (ص): ((بعيره)).
[3] زاد في (ص) والمطبوع: ((قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ بَلد هَذَا؟ فَسَكَتْنَا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ البلدة)).
[4] في (م) و (ص): ((لم)).
[5] في (ص): ((وسيأتي بعض)).
[6] زاد في (م): ((العلم)).
[7] في (م): ((الطمع))، وفي (ص): ((موضوعة للطمع)).
[8] في (ص): ((معناه)).
[9] في (م): ((وهو مأجور بنقله)).
[10] قوله: ((تعالى)) ليس في (ص).
[11] في (ز): ((مجلس)) والمثبت من (م) و (ص).
[12] قوله: ((عنه)) زيادة من (م) و (ص).