شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الاغتباط في العلم والحكمة

          ░15▒ باب الاغْتِبَاطِ في الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ
          وَقَالَ عُمَرُ ☺: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا.
          فيه: ابنُ مَسْعُودٍ، قَالَ النبي صلعم: (لا حَسَدَ إِلا في اثْنَتَيْنِ: رَجُل آتَاهُ اللهُ ╡(1) مَالًا فَسُلّطَ(2) على هَلَكَتِهِ في الْحَقِّ، وَرَجُل آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا(3) وَيُعَلِّمُهَا). [خ¦73]
          قال المفسِّر: هذا الحسد الذي أباحه ◙ / ليس من جنس الحسد المذموم، وقد بيَّن النبيُّ(4) ◙ ذلك في بعض طرق هذا الحديث فقال فيه: ((فَرَآهُ رَجُلٌ)) يعني ينفق المال ويتلو الحكمة، فيقول: ليتني أوتيت مثل ما أوتي ففعلت مثل ما يفعل، فلم يتمنَّ أن يُسْلَبَ صاحب المال ماله أو صاحب(5) الحكمة حكمته، وإنما تمنى أن يصير في مثل(6) حالة من يفعل الخير، وتمني الخير والصلاح جائز، وقد تمنى ذلك الصالحون والأخيار ولهذا المعنى(7) ترجم البخاري لهذا الباب (باب الاغْتِبَاط في الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ) لأن من أوتي مثل هذه الحال(8) فينبغي أن يغتبط بها(9) وينافس فيها؛ وفيه من الفقه أن الغني إذا قام بشروط المال وفعل فيه ما يرضي الله ╡(10) فهو أفضل من الفقير الذي لا يقدر على مثل حاله.
          وقول عمر: (تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا) فإن من سوَّده الناس يستحيي أن يقعد مقعد المتعلم(11) خوفًا على رئاسته عند العامة، وقال مالك: كان الرجل إذا قام من مجلس ربيعة إلى خطة(12) أو حكم لم يرجع إليه بعدها، وقال يحيى بن معين: من عاجَل الرئاسة فاته علم كبير.


[1] قوله ((╡)) ليس في (م) و (ص).
[2] في (م) و (ص): ((فسلطه)).
[3] في (ص): ((فيها)).
[4] قوله: ((النبي)) ليس في (ص).
[5] في (م): ((وصاحب)).
[6] قوله ((مثل)) ليس في (م).
[7] قوله ((المعنى)) ليس في (م).
[8] في (م): ((الخلال)).
[9] قوله ((بها)) ليس في (م).
[10] في (م): ((ما يرضي ربه ╡)).
[11] في (م): ((التعلم)).
[12] في حاشية (ز) تعليقًا: ((كأنه يريد بها الكتابة)).