شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب العلم والعظة بالليل

          ░40▒ باب الْعِلْم وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ.
          فيه: أُمُّ سَلَمَةَ قَالَت(1): اسْتَيْقَظَ النبي صلعم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ(2) مِنَ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَة). [خ¦115]
          قال / المُهَلَّب: فيه دليل أن الفتن تكون في المال وغيره لقوله: (مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟) وكذلك قال حذيفة لعمر ☺(3): فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصدقة، وقوله: (أَيْقِظُوا صَوَاحِب الحُجَر) يعني أزواجه للصلاة والاستعاذة مما نزل ليكونوا أولى(4) من استعاذ من فتن الدنيا، وفيه أن للرجل أن يوقظ أهله بالليل للصلاة ولذكر الله تعالى(5) ولا سيما عند آية تحدث أو مأثور(6) رؤيا مخوفة، وقد أمر رسول الله صلعم من رأى رؤيا مخوفة(7) يكرهها أن ينفث عن يساره ويستعيذ بالله من شرها، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}[طه:132].
          وقوله: (رُبَّ كَاسِيةٍ في الدُّنْيا عَارِيةٍ فِي الآخِرَة) يحتمل أن تكون الكاسيات مما لا يسترهن(8) من واصف الثياب ورقيقه، فهي كاسية عارية، فربما عوقبت في الآخرة بالتعرية والفضيحة التي كانت تبتغي في الدنيا، ويحتمل أن تكون: رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا لها المال تكتسي به رفيع الثياب وتكون عارية من الحسنات في الآخرة، فَنَدَبَهَن إلى الصدقة وحضهن على ترك السَّرَف في الدنيا بأن يأخذن منها بأقل الكفاية ويتصدقن بما سوى ذلك، وسيأتي هذا المعنى في كتاب الصلاة في باب تحريض النبي صلعم على صلاة الليل وفي كتاب الفتنة في باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه بزيادةٍ فيه إن شاء الله تعالى(9).


[1] قوله ((قالت)) ليس في (م).
[2] قوله: ((الليلة)) ليس في (م).
[3] قوله: ((☺)) ليس في (ص).
[4] في (م): ((أول)).
[5] في (ص): ((لذكر الله وللصلاة)).
[6] في (م): ((بأثر)).
[7] قوله ((مخوفة)) ليس في (م).
[8] في (م): ((يستر)).
[9] في (ص): ((شر منه عن شاءء الله)).