شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه

          ░2▒ باب مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ(1): (بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ(2) فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى / رَسُولُ اللهِ صلعم يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: هَا أَنَا(3) يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، فقَالَ(4): كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ). [خ¦59]
          قال المُهَلَّب: فيه أن من أدب المتعلم ألا يسأل العالم ما دام مشتغلًا بحديث أو غيره لأن من حق القوم الذين بدأ بحديثهم ألا يقطعه عنهم حتى يتمه، وفيه الرفق بالمتعلم وإن جفا في سؤاله أو جهل لأن النبي(5) صلعم لم يوبخه على سؤاله قبل إكمال حديثه، وفيه وجوب تعليم السائل والمتعلم لقوله صلعم: (أين السائل(6)؟) ثم أخبره عن الذي سأله عنه، وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم السائل لقوله: (كَيْفَ إِضَاعَتُها؟) وفيه جواز اتِّساع العالم في الجواب وأن يبقي منه إذا كان ذلك لمعنى(7).
          وقوله: (إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلى غَيْرِ أَهْلِهِ) معناه أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده، وفرض عليهم النصيحة لهم لقوله صلعم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) فينبغي لهم تولية أهل الدين والأمانة للنظر في أمر(8) الأمة، فإذا قلدوا غير أهل الدين، واستعملوا من يعينهم على الجور والظلم، فقد ضيعوا الأمانة التي فرض الله تعالى عليهم، وقد جاء عن النبي صلعم أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى يؤتمن الخائن ويُستَخْون الأمين)) وهذا إنما يكون إذا غلب الجهال، وضعف أهل الحق عن القيام به ونصرته.


[1] قوله ((قال)) ليس في (م).
[2] في (م): ((بينما النبي صلعم)).
[3] زاد في (م): ((ذا)).
[4] في (م) و (ص): ((قال)).
[5] في (ص): ((الرسول)).
[6] قوله: ((أين السائل)) ليس في (ص).
[7] في (م): ((وأن يبقَى فيه مدة إذا كان ذلك المعنى)).
[8] في (م): ((لينظر في أمور)).