شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب العلم قبل القول والعمل

          ░10▒ باب الْعِلْم قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللهِ ╡: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ}[محمد:19]فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ(1) طَرِيقًا إلى الْجَنَّةِ.
          وَقَالَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28]وَقَالَ تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43](2) {وَقَالُوا(3) لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك:10]وَقَالَ: {هَلْ(4) يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:9]وَقَالَ النبي صلعم(5): (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ)، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ.
          وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ على هَذِهِ _وَأَشَارَ إلى قَفَاهُ_ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ رسولِ الله صلعم(6) قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لأنْفَذْتُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}[آل عِمْرَان:79]حُلمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الذي يُربي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.
          قال المُهَلَّب: العمل لا يكون إلا مقصودًا به(7) معنًى متقدمًا، وذلك المعنى هو علم ما وعد الله عليه من الثواب وإخلاص العمل لله تعالى، فحينئذٍ يكون العمل مرجوَّ النفع إذ(8) تقدمه العلم، ومتى خلا العمل من النية ورجاء الثواب عليه وإخلاص العمل لله تعالى(9) فليس بعمل، وإنما هو كفعل المجنون الذي رُفِعَ عنه القلم، وقد بيَّن ذلك النبي صلعم بقوله(10): ((الأعمال بالنيات)) قال: وإنما سمي العلماء ورثة الأنبياء لقوله ╡: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا(11)} الآية[فاطر:32]قال أبو الزناد: وقد قال ◙: ((أُتيت بقدح لبن فشربت، ثم أَعْطَيْتُ فضلي عُمَر بن الخطاب، قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال: العلم)).
          وقول أبي ذر: (لو وضعتم الصمصامة على هذه، ثم ظننت أني أنفذُ كلمةً سمعتها من النبي صلعم) فإنه يعني ما سمع من رسول الله صلعم من الفرائض والسنن وما ينتفع الناس به في دينهم مما أخذ الله فيه(12) الميثاق على العلماء لَيُبَيِّنُنَّه للناس ولا يكتمونه، وإنما أراد أبو ذرٍ بقوله هذا الحضَّ على العلم والاغتباط بفضله حين سهُل عليه قتل نفسه في جنب ما يرجو من ثواب نشره وتبليغه، ففي هذا من الفقه أنه يجوز للعالم أن يأخذ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالشدة والتعيير(13) مع الناس ويحتسب ما يصيبه في ذلك على الله تعالى، ومباح له أن يأخذ بالرخصة في ذلك(14) ويسكت إذا لم يطق على حمل الأذى في الله ╡ كما قال أبو هريرة: لو حدثتكم بكل ما سمعت من رسول الله صلعم لَقُطِعَ هذا البلعوم.
          وقال صاحب «العين»: الرباني ينسب(15) إلى معرفة الربوبية. /


[1] زاد في (م): ((به)).
[2] زاد في (م): ((وقال)).
[3] قوله ((وقالوا)) ليس في (م).
[4] في (م): ((قل هل)).
[5] في (ص): ((وقال ◙)).
[6] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((مقصودا لله)).
[8] في (م): ((إذا)).
[9] قوله ((وإخلاص العمل لله تعالى)) ليس في (م).
[10] في (ز): ((لقوله)) والمثبت من (م) و (ص).
[11] قوله: ((من عبادنا)) ليس في (ص).
[12] في (ص): ((به)).
[13] في (ص): ((والتغيير))، في (م): ((والتعزير)) ونبَّه إليه في (ص) في نسخة.
[14] قوله: ((على الله تعالى، ومباح له أن يأخذ بالرخصة في ذلك)) ليس في (ص).
[15] في (م) و (ص): ((نسب)).