شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من قعد حيث ينتهي به المجلس

          ░8▒ باب مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهي بِهِ الْمَجْلِس وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً في المجلس فَجَلَسَ(1).
          فيه: أَبُو وَاقِد اللَّيْثِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ في الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إلى رَسُولِ اللهِ(2) صلعم وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا على رَسُولِ اللهِ صلعم، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ الله صلعم قَالَ: (أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إلى اللهِ، فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ). [خ¦66]
          قال المُهَلَّب: فيه من الفقه أن من جلس إلى حلقة فيها علم أو ذكر أنه في كنف الله وفي إيوائه، وهو ممن تضع له الملائكة أجنحتها، وكذلك يجب على العالم أن يُؤوي من جلس إليه متعلمًا لقوله: (فَآوَاهُ اللهُ) وفيه من الفقه أن من قصد العلم ومجالسه فاستحيا ممن قصده ولم يمنعه الحياء من التعلم ومجالسة العلماء أن الله يستحيي منه فلا يعذبه جزاء استحيائه، وقد قالت عائشة ♦: نِعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين، فالحياء المذموم في العلم هو الذي يبعث على ترك التعلم؛ وفيه أيضًا(3) أنه من قصد العلم ومجالسه ثم أعرض عنها فإن الله يعرض عنه، ومن أعرض الله عنه فقد تعرض لسخطه، ألا ترى قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا}[الأعراف:175] وهذا انسلخ من إيواء الله بإعراضه عنه.


[1] في (م): ((في الحلقة، فجلس فيها))، وفي (ص): ((في الحلقة فجلس)).
[2] في (م): ((النبي)).
[3] قوله: ((أيضًا)) ليس في (م).