شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحرص على الحديث

          ░33▒ باب الْحِرْص عَلَى الْحَدِيثِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ(1) قَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْأَلَنِي(2) عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ على الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ). [خ¦99]
          قال المُهَلَّب: فيه أن الحريص على الخير والعلم يبلغ بحرصه إلى أن يبحث عن غامض المسائل ودقيق المعاني لأن المسائل الظاهرة إلى الناس كافة يستوي الناس في السؤال عنها لاعتراضها في(3) أفكارهم، وما غمُضَ من المسائل ولطُف من المعاني لا يَسأل عنها إلا راسخ بَحَّاث يبعَثُه على ذلك الحرص، فيكون ذلك سببًا(4) إلى إثارة فائدة يكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؛ وفيه أن للعالم أن يتفرَّس من(5) متعلميه، فيظن في كل(6) واحد مقدار تقدمه في فهمه، وأن ينبهه على تفرسه فيه ويعرفه بذلك ليبعثه على الاجتهاد في العلم والحرص عليه؛ وفيه أن للعالم أن يسكت إذا لم يُسأل عن العلم حتى يُسأل عنه، ولا يكون كاتمًا لأن على الطالب أن يَسأل، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[النحل:43]وليس للعالم أن يسكت إذا رأى تغييرًا في الدين إذا علم أن ذلك لا يضره، ثم على العالم أن يبين إذا سُئل، فإن لم يبين بعد أن يسأل فقد كتم إلا أن يكون له عذر فيعذر؛ وفيه أن الشفاعة إنما تكون في أهل الإخلاص خاصة، وهم أهل التصديق بوحدانية الله تعالى(7) ورسله لقوله صلعم: (خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ).
          وقوله صلعم(8): (أَوَّلَُ مِنْك) يعني قبلك، وقال سيبويه: هي بمنزلة أقدم منك، وقال السِّيرافي: يقال: هذا أول منك، ورأيت أول منك، ومررت بأول منك، فإذا حذفوا: منك قالوا: هو الأول ولا يقولوا: الأول منك لأن الألف واللام تعاقب(9) منك.


[1] زاد في (م): ((أنه)).
[2] ضبطها في (م): ((يسألُني)) والضبطان صحيحان.
[3] قوله ((في)) ليس في (م).
[4] في (ص): ((سبيلا)) ونبه إلى المثبت في نسخة.
[5] في (م) و (ص): ((في)).
[6] في (م): ((فيظن بكل)).
[7] قوله: ((تعالى)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[9] في (م): ((يعاقب)).