شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلًا وحده للنظر في الأمور؟

          ░39▒ باب: هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا وَحْدَهُ لِلنَّظَرِ في الأمُورِ
          فيه أبو هُرَيْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ: حديث العَسِيفِ إلى قوله: (وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ، لِرَجُلٍ، فَاغْدُ على امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا فَرَجَمَهَا). [خ¦7193] [خ¦7194]
          قال المُهَلَّب: هذا الحديث نصٌّ في بعثة الحاكم رجلًا واحدًا ينفذ حكمه.
          وفيه حجَّةٌ لمالكٍ في قوله: إنَّه يجوز أن ينفذ الرجل الواحد إلى إعذار من شهد عليه بحقٍّ، وأنَّه يجوز أن يتَّخذ رجلًا ثقةً يكشف له عن حال الشهود في السرِّ، وكذلك يجوز عندهم قبول الواحد فيما طريقه الإخبار ولم يكن طريقه الشهادة، وقد استدلَّ قومٌ بهذا الحديث في أنَّ الإمام إذا بعث رجلًا ينفذ حكمه(1) أنَّه ينفذه من غير إعذارٍ إلى المحكوم عليه؛ لأنَّه لم ينقل في الحديث(2) أنَّ أنيسًا أعذر إلى المرأة المدَّعى عليها الزنا، وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنَّ الإعذار إنَّما يصحُّ فيما كان من(3) الحكم بالبيِّنات، ولابدَّ في ذلك من الإعذار إلى المحكوم عليه، وما كان الحكم فيه من جهة الإقرار فللرسول أن ينفذه بإقرار المقرِّ، ولا إعذار فيه، وإنَّما اختلف العلماء هل يحتاج وكيل الحاكم إلى أن يحضر من يسمع ذلك من المقرِّ أم لا؟ على حسب اختلافهم في الحاكم هل يحتاج إلى مثل ذلك أم لا؟ وأصل الإعذار في كتاب الله تعالى في(4) قوله: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ}[هود:65]وفي قوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ}[هود:81].
          وفي هذا الحديث حجَّةٌ لمن قال: إنَّ القاضي يجوز أن يحكم على الرجل بإقراره دون بيِّنةٍ(5) تشهد عنده بذلك الإقرار، وهو قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة وأبي يوسف، وقال مالكٌ: لا يقضى على الرجل بإقراره حتَّى تشهد عنده بيِّنةٌ بذلك. وهو قول محمَّد بن الحسن، واحتجَّ الطحاويُّ بقوله صلعم: (وَاغدُ يَا أُنَيسُ عَلَى امرَأةِ هَذَا، فَإنِ اعْترْفَتْ فَارْجُمْهَا) ولم يقل له: فإن اعترفت فأشهد عليها حتَّى يكون حجَّةٌ لك بعد موتها. قال: وقد قتل معاذٌ وأبو موسى مرتدًا وهما واليان لرسول الله صلعم على اليمن ولم يشهدا عليه.
          واختلفوا إذا قال القاضي: قد حكمت على هذا الرجل بالرجم فارجمه. فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا قال ذلك، وسعك أن ترجمه وكذلك سائر الحدود والحقوق.
          وقال ابن القاسم على مذهب مالكٍ: إن كان القاضي عدلًا وسع المأمور أن يفعل ما قال القاضي، وهو قول الشافعيِّ. قال ابن القاسم: إن لم يكن عدلًا لم يقبل قوله.
          وقال محمَّد بن الحسن: لا يجوز للقاضي أن يقول: أقرَّ عندي فلانٌ بكذا، لشيءٍ يقضي به عليه من قتلٍ أو مالٍ، أو عتاقٍ أو طلاقٍ حتَّى يشهد معه على ذلك رجلان أو رجلٌ عدلٌ ليس يكون هذا لأحدٍ بعد النَّبيِّ صلعم، وينبغي أن يكون في مجلس القاضي / أبدًا رجلان عدلان يسمعان من يقرُّ ويشهدان على ذلك، فينفذ الحكم بشهادتهما وشهادة(6) من حضر.


[1] في (ص): ((أحكامه)).
[2] في (ص): ((الأخبار)).
[3] في (ص): ((في)).
[4] قوله: ((في)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((دون بينة)) ليس في (ص)، وفيها مكانها: ((حتى)).
[6] في (ص): ((أو شهادة)).