شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما ذكر أن النبي لم يكن له بواب

          ░11▒ باب: مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبيَّ صلعم لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ
          فيه: أَنَسٌ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي(1) اللهَ وَاصْبِرِي، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي، فَجَاوَزَهَا وَمَضَى، فَمَرَّ بِهَا(2) رَجُلٌ فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ النبي صلعم(3)؟ قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ، قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلعم(4)، فَجَاءَتْ إلى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا عَرَفْتُكَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ). [خ¦7154]
          قال المُهَلَّب: لم يكن للنبيِّ صلعم بوَّابٌ راتبٌ، وقد جاء في حديث القفِّ والمشربة أنَّه كان له بوَّابٌ، فدلَّ حديث أنسٍ أنَّه ◙ إذا لم يكن على شغلٍ من أهله ولا انفرادٍ لشيءٍ من أمره أنَّه كان يرفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالبيه وذوي الحاجة إليه؛ لأنَّ الله ╡ قد كان أمنه أن يغتال أو يهاج أو تطلب غرَّته فيقتل، قال ╡: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]وقد أراد عُمَر بن عبد العزيز أن يسلك هذه الطريقة تواضعًا لله ╡ فمنع الشرط والبوَّابين فتكاثر الناس تكاثرًا اضطرَّه إلى الشرط فقال: لابدَّ للسلطان من وزعةٍ.
          قال الطبريُّ: دلَّ حديث عمر حين استأذن له الأسود على النبيِّ صلعم في المشربة أنَّه في وقت خلوته وشغله بنفسه فيما لابدَّ له منه كان يتَّخذ بوَّابًا؛ ليعلم من قصده أنَّه خالٍ فيما لابدَّ له منه، ولولا ذلك لم يكن لعمر حاجةٌ إلى مسألة الأسود للاستئذان له على رسول الله صلعم؛ بل كان يكون هو المستأذن / لنفسه(5) فبان بحديث عمر أنَّ معنى رواية من روى عنه أنَّه لم يكن له بوَّابٌ يريد في الأوقات التي كان يظهر فيها للناس ويبرز إليهم، فأمَّا(6) في وقت خلوته وحاجاته فلا(7).
          وعلى هذا النحو من فعله ◙ في اتِّخاذه البوَّاب، ورفعه الحجاب والبوَّاب عن بابه وبروزه لطالبه كان احتجاب من احتجب من الأئمَّة الراشدين واتِّخاذ من اتَّخذ البوَّاب وظهور من ظهر للناس منهم.
          وروى شعبة عن أبي عِمْرَان الجونيِّ، عن عبد الله بن الصامت أنَّ أبا ذرٍّ لمَّا قدم على عثمان قال: يا أمير المؤمنين، افتح الباب يدخل الناس، فدلَّ هذا الحديث عن عثمان(8) أنَّه كان يبرز أحيانًا، ويظهر لأهل الحاجة، ويحتجب أحيانًا في أوقات حاجاته، ونظير ذلك كان يفعل عُمَر بن عبد العزيز. روي عن جريرٍ عن مغيرة، عن زيدٍ الطيِّب قال: دخلت على عُمَر بن عبد العزيز فقال لي: ما يقول الناس؟ قلت: يقولون: إنَّك شديد الحجاب. فقال: لابدَّ لي أن أخلو فيما يرفع إليَّ الناس من المظالم، فأنظر فيها.


[1] في (ص): ((اتق)).
[2] قوله: ((بها)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((رسول الله)).
[4] قوله: ((قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلعم)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((لنفسه)) ليس في (ص).
[6] في (ص):((وأما)).
[7] في (ص):((حاجته وخلوته فلا)).
[8] قوله: ((قال: يا أمير المؤمنين،.... عن عثمان)) ليس في (ص).